الأحد، 28 يوليو 2013

الخلوة العلاجية والتأمل :

 
تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة ومبسطة نابعة من البيئة والتراث يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالتوتر والقلق والإحباط، وعند مواجهة الضغوط والمشكلات التي تحتاج إلى الاسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم التفكير.. بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد إلى إعادة صياغة وترتيب أفكاره وأهدافه ، وأيضا إلى تخلصه من الاضطرابات النفسية والانفعالات السلبية الناتجة عن ضغوط الحياة ومشاعر الإحباط والفشل واختلال التوازن والقدرة على التوافق النفسي والاجتماعي.
ولاشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت لآخر – أن يخلو بنفسه ويبتعد قليلاً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد تنظيم عالمه الداخلي، وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات ويحدد لنفسه الخطوات..
و الخلوة العلاجية  تتضمن تدريب الشخص على التخلص من الأفكار السلبية الانهزامية المعوقة والمخاوف والوساوس المزعجة والمواقف والذكريات المؤلمة , بحيث يصل إلى درجة أن يأمر ذهنه بالتوقف فوراً عن التفكير فى هذه الأفكار السلبية أو أن يطردها من ذهنه ويحل محلها أفكاراً إيجابية تشحن طاقاته النفسية وتحفزها للانطلاق من جديد في الاتجاه الصحي السليم وتكمله مشوار الحياة بعزيمة وإرادة لا تلين .
والخلوة العلاجية أسلوب علاجي نابع من ميراثنا الديني والثقافي وقد اثبت فعاليته بل وتفوقه على أساليب العلاج النفسي الأخرى المستوردة من الغرب والتي تخفى فى ثناياها مفاهيم وأفكار لا تتناسب مع طبيعة وظروف الشخصية العربية.
لقد كان الهدف من استخدام أسلوب الخلوة العلاجية هو تحويل النصائح والمواعظ والأفكار الايجابية إلى أفكار نشطة وفعالة بغرسها فى الذهن عن طريق التأمل والتكرار فى حالة من التركيز الذهني العالي وفى جو من الهدوء والاسترخاء يسمح بتحويل هذه المنظومات الأخلاقية والصياغات اللفظية إلى مفاهيم ومعتقدات تدفع الفرد دائماً إلى السلوك المرغوب .
ولقد تأكد من خلال عدد من الدراسات التي قدمتها على مدار سنوات أن الخلوة العلاجية يمكن أن تتفوق على أسلوب التأمل المتسامي Transcendental Meditation ،  وأسلوب البرمجة العصبية اللغوية NLP التى تنتشر فى الغرب حالياً بصورة ملفته للنظر ..
ويمثل تعديل الحوار الذاتي– ما يقوله الشخص لنفسه - أهمية قصوى فى الخلوة العلاجية حيث يعتبر تعديل الحوار الذاتي إلى جمل ايجابية حماسية متفائلة من أهم خطوات الخلوة العلاجية حيث يقوم الفرد ببناء وتصميم هذه الجمل والعبارات الايجابية الصحية ويكررها بتركيز ذهني عالي ويجعلها تحل محل الجمل والعبارات السلبية التى يقولها لنفسه ، والتي تتسبب فى التوتر الاكتئاب وهزيمة الذات .
ولا شك أن الخلوة والتأمل هي من الخصائص المميزة للشخصية العربية، وأن الاعتماد على الرعي والزراعة قد أتاح الفرصة للتأمل والانطلاق بالخيال فى أماكن رحبة متسعة لا يقوم النشاط الإنساني فيها على التحديد والضبط والدقة  الشديدة التى تتميز بها المجتمعات الصناعية، ولقد أدركت المجتمعات الغربية أهمية تنمية القدرة على التأمل ودوره فى الصحة النفسية بل وفعاليته فى العلاج النفسي .
إن الخلوة تتيح فرصة سانحة للاسترخاء الذهني والجسدي الذى يحتاجه فى ظل طوفان التوتر والانفعالات وضغوط هذا العصر , خاصة فى السنوات الاخيرة .. وهى أيضا فرصة للتدريب على الضبط الذاتي للتخلص من الغضب والانفعالات الضارة , ولطرد الافكار السلبية والانهزامية وغرس الافكار الايجابية وإعادة تقييم الاستجابات والسلوكيات ومتابعة التدريب عليها وهى فى النهاية يمكن أن ينظر إليها على أنها بديل لأسلوب اليوجا , وانها تناسب الشخصية العربية وتساعدها على تثبيت وغرس منظومة القيم والأخلاقيات وتحويلها إلى أنماط سلوكية وعادات راسخة ، ولا اعتقد أن هناك وسيلة أخرى فى ظل التشتت الذى والاحداث المثيرة التى تخترق حياتنا من كل اتجاه , وانها طريقة عملية لتحويل النصائح الى سلوكيات أى تحويل النسق الوعظي والتعليمات الخطابية والحكم البلاغية إلى سلوكيات عملية
فوائد الخلوة:

•    تفقد أحوال النفس.
•    حفظ البصر .. وتجنب النظر إلى ما حرم الله النظر إليه.

والخلوة بما تحتويه من تأمل وتخيل وحوار ذاتي – وجميعها عوامل فكرية – تساعد على تعديل انفعالات الفرد وسلوكه.
ولقد ثبت بالعديد من الأدلة التجريبية والإكلينيكية أن العوامل الفكرية التى تشمل التفكير والتخيل والتصور والاستنتاج والتوقع تتصل وتؤثر فورًا على مراكز الانفعال بالدماغ التى تفرز بالتالي عددًا من الهرمونات والمواد الناقلة العصبية المسببة للتوتر والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة له.
ومن هرمونات التوتر المعروفة الكورتيزول وهرمون الأدرينالين .. وهذا الاخير الذى يؤدى إفرازه إلى توتر العضلات وخفقان القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل التنفس، واتساع حدقة العين، ونقل كميات كبيرة من السكر من الكبد إلى الدم حتى تتوفر الطاقة والوقود للمعركة التى استعد لها الجسد بأمر من مراكز الانفعال تحت تأثير العوامل الفكرية المخيفة والمهددة، ويصاحب هذه التغيرات أيضًا تعطل عمليات الهضم واضطراب إفراز العصارات المعدية والمعوية.
كما تساعد الخلوة العلاجية الشخص على التدريب على ضبط الانتباه والتحكم فيه.. وبتكرار ممارسة جلسات الخلوة يكتسب الفرد قدرة أكبر على طرد الأفكار الهدامة وتحويل انتباهه وتركيزه إلى شئ آخر مضاد يحقق له الطمأنينة والهدوء والسكينة مثل ذكر الله أو الدعاء.
وبعد فترة من ممارسة الخلوة يشعر الشخص بسهولة التخلي عن التفكير السلبي والاندماج القهري فى الأفكار والتصورات المخيفة .كذلك يفيد ذلك التدريب الشخص على التحكم فى درجة التهيؤ الذهني.. بالتركيز على افكار و موضوعات إيجابية مرغوبة ووضعها فى بؤرة الوعي والشعور مع استخدام التكرار والترديد بأسلوب يماثل التسميع الذاتي الذى يستخدمه الطلاب لإبقاء معلومة معينة فى حالة نشطة فى الذاكرة. ويرى بعض علماء النفس أن أصحاب القدرات والمهارات الفائقة يحققون قدراتهم الخارقة بتكرار تركيز الانتباه والتهيؤ الذهني وحصر التفكير فيما يريد ذلك الشخص إنجازه.
جلسة الخلوة العلاجية....
تبدأ جلسة الخلوة العلاجية بإعداد وتجهيز المكان الملائم .. والذي يجب أن يتصف بالهدوء وعدم وجود ما يشتت الانتباه من ضوضاء أو أصوات أجهزة تليفزيون أو مذياع وخلافه .. وأن يوجد في هذا المكان مقعد مريح.. ومنضدة.. وساعة لتحديد الوقت.. ودفتر أو أوراق وقلم لتسجيل الأفكار والملاحظات.. ويفضل إغلاق جرس التليفون .
كما يجب أن يكون المكان مريحاً نظيفاً.. ويمكن تزويد المكان ببعض الزهور أو النباتات.
ومدة جلسة الخلوة 30 دقيقة يوميا أو 3 مرات أسبوعيًا.. ( يمكن ان تختصر فى البداية الى 15 دقيقة ) .. ويقسم وقت الجلسة على خطواتها الثلاث بحيث تستغرق كل خطوة حوالي 10 دقائق تقريبًا.. ولكي يحقق الفرد التحسن المرغوب والتغير الإيجابي الذي يبقى لفترات طويلة يجب أن يمارس الخلوة العلاجية لمدة 3 شهور على الأقل. ولا تتعارض جلسة الخلوة العلاجية مع تناول العقاقير المهدئة أو المضادة للقلق أو الاكتئاب إلا إذا كان الشخص فى حالة تهدئه زائدة بسبب تلك العقاقير.
ويجب أن نشير إلى أن جلسة الخلوة يمكن أن تؤدى أيضًا إلى نتائج طيبة إذا لم تتوافر هذه الشروط جميعًا.. بل أن البعض استطاع أن يحقق فائدة جيدة من ممارسة الخطوة الأولى فقط من خطوات الخلوة وفى وقت أقل من نصف الوقت المذكور.
ويمكن إيجاز خطوات الخلوة العلاجية  كالآتي:
الخطوة الأولى: " الخروج من الدوامة "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ-   الخروج الفوري من التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة بالاسترخاء والتنفس العميق ببطء.. ولمدة خمس دقائق تقريبًا.
‌ب- الخروج أيضًا من لعبة تبديد وإهدار الطاقات النفسية والذهنية بأن يصدر الشخص الأوامر لعقله ومخيلته بطرد جميع الأفكار الانهزامية السلبية وأن يطرد أيضا وبحزم أى تخيل أو تصور مكروه أو مزعج أو مخيف.
الخطوة الثانية : " التأمل والتشبع بالرضا "
تهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ-   أن يتأمل الإنسان ويستعرض النعم الذى وهبه الله إياها.. وأن يستخدم مخيلته وذاكرته فى اجترار واستعراض هذه النعم.
‌ب- أن يكرر وهو يستعرض هذه النعم وما حققه من إنجازات – مهما كانت ضئيلة ومحدود – عبارة "الحمد لله .. الحمد لله".
الخطوة الثالثة: " شحن وتوجيه الإرادة "
وتهدف هذه الخطوة إلى:
‌أ-   تعديل الحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه أثناء الخلوة بحيث يصيغ جملاً وعبارات حماسية وإيجابية تغرس فى نفسه الحماس والعزيمة والأمل.
‌ب- إعادة تذكر الأهداف وخطوات تحقيقها... ويمكن أن يسجل الهدف المراد تحقيقه فى ورقة متابعة يحتفظ بها الشخص كنموذج لخطة عمل مبسطة تجعله يركز دائمًا على هدفه ويتجنب التشتت في المشاكل والمشاغل الجانبية وأن يراعى التدرج والاستمرارية بصبر لتحقيق ذلك الهدف ‌ج- كذلك فان الخلوة العلاجية ( اذا امتدت لوقت اطول ) تكون فرصة لمناجاة الخالق سبحانه وتعالى .
وتمهد كل خطوة من هذه الخطوات الطريق للخطوة التالية.. فالخطوة الأولى تخفض درجة التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة فتسمح للذهن بالتأمل وغرس الشعور بالرضا.. والذي يؤدى بالتالي إلى مزيد من التحرر من الشحنات الانفعالية.. فتتحسن القدرات الذهنية وتزداد القدرة على التركيز والأداء الذهني والحماس والدافعية مما يضاعف من القدرة والإرادة لإنجاز الأهداف المرغوبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق