الاثنين، 8 يوليو 2013

الاحساس بالذنب فى علم النفس



 

كيف يتعامل علم النفس مع مشاكل الشعور بالذنب، الخطيئة، والشر؟ هل ينصح علماء النفس والأطباء النفسانيين الأفراد بممارسة المسؤولية الأخلاقية، أم أنهم يبررون الفجور، يفسرونه، يعذرونه، ويلقون باللوم على الغير؟ هل ينظرون إلى المشاكل النفسية على أنها أمراض ليس الإنسان مسئولا عنها؟ هل ينبغي للخطاة أن يقبلوا أنفسهم كما هم؟ هل ينبغي لهم أن ينفسوا عن مشاعرهم وأن يتحرروا من الموانع والمعايير الأخلاقية، أم ينبغي توبيخهم وإرشادهم لممارسة كبح وضبط النفس؟ ماذا عن ضرورة الإقرار بالخطأ، التوبة، وطلب المغفرة من الله؟ هل يتوافق علم النفس والطب النفسي مع المعايير الإنجيلية المسيحية؟   
مقدمة:
إن الكثير من الأشخاص الذين يسعون إلى مساعدة الأطباء النفسانيين يعيشون حياتهم بطرق تنتهك بوضوح معايير كلمة الله، الأمر الذي يؤدي إلى الشعور بالذنب، والذي غالبا ما يشكل جزءا رئيسيا من الصراعات العقلية والعاطفية لدى الإنسان. كيف يتعامل علماء النفس مع هذه المشاكل؟
سوف نفحص في هذه الدراسة الطرق التي يحاول علماء النفس من خلالها تبرير ممارسة الناس للخطيئة أو دفعهم إلى إنكار الشعور بالذنب عندما يخطئون دون أن يتوبوا أو يصححوا سلوكهم أو يطلبوا المغفرة من الله. لا تمثل وجهات النظر التي سنقوم بفحصها آراء جميع علماء النفس، لكن يبدو أن لدى الكثيرين منهم عددا غير محدود من الأعذار والتبريرات للخطيئة والشعور بالذنب

أولا. غالبا ما يشجع علم النفس الناس على لوم الآخرين لفشلهم في الحياة.

ا. تعاليم علم النفس
عندما يفشل الناس في الارتقاء بحياتهم إلى مستوى المعايير السليمة، يلقي علماء النفس باللوم على عدد من كباش الفداء.
المجتمع
كتب وين أوتس أن المرض العقلي هو النتيجة التي تنشأ عن "رفض الجماعة للفرد واستغلالهم له" (آدمز، صفحة ٦). بعبارة أخرى، "إنه خطأ المجتمع".
"يؤكد فروم على المجتمع باعتباره العامل الرئيسي في تحديد شخصية الفرد. على وجه الخصوص، يصف فروم الإنسان بأنه صالح جوهريا وفطريا، ويعزو أي سوء ـ شرـ إلى المجتمع، خصوصا عندما يتسبب المجتمع في إنكار الفرد لإمكانياته الخاصة في النمو أو التعبير عن النفس" (ڤتز، صفحة ١٨). لكن المجتمع هو الناس، إذا كان الإنسان صالح أساسا، فكيف يمكن للمجتمع (الناس) إذن، أن يكون مصدر كل شيء سيء؟
نقلا عن مقال نشر في مجلة تابم، عرض برنامج تلفزيوني تحليلا لأعمال الشغب التي وقعت في مدينة لوس انجلوس، جاء فيه ما يلي: "العدو هو نحن، نحن جميعا". أرأيت؟ عندما يقوم البعض بأعمال الشغب، النهب، الحرق، والقتل ـ يصبح حتى أولئك الذين يبعدون آلاف الأميال، والذين لم يسبق لنا أن اجتمعنا أو اتصلنا بهم بأي شكل من الأشكال ـ بالرغم من ذلك مسئولين!
الزوج أو الزوجة
كبش الفداء المفضل الآخر هو أحد الزوجين: "يدفعني زوجي (زوجتي) إلى التصرف بهذه الطريقة. لو أنه (أنها) يتغير، فسوف أتحسن بدوري". غالبا ما يشجع علماء النفس مثل هذا التفكير ويدافعون عنه.
الأهل
يقول سيلينڭ: "معظم الأمهات غير المتزوجات هن ضحايا مشاكل آبائهن وأمهاتهن" (آدمز، صفحة ٨). ذلك هو، إلقاء اللوم على الوالدين.
كثيرا ما نسمع عن علماء نفسيين طالبوا بإعفاء شخص مجرم أو فاسق من العقاب، لأن والديه أو المجتمع قد حرموه بطريقة ما، من شي ما، منذ سنوات.
تصف أغنية شعبية لآنا رسل هذا بشكل جيد:
ذهبت إلى طبيبي النفسي لإجراء تحليل نفسي
لكي اعرف لماذا قتلت القطة ولطمت عين زوجي.
طلب مني أن أستلقي على الأريكة المريحة ليرى ما يمكنه أن يجد،
وهذا هو ما استخرجه من ذهني في حالة ما دون الوعي:
في السنة الأولى من عمري، أخفت أمي دميتي في صندوق،
يترتب على ذلك بطبيعة الحال أني دائما سكرانة.
عندما كنت في الثانية من عمري، رأيت والدي يقبل الخادمة ذات يوم،
وهذا هو سبب معاناتي من هوس الاختلاس.
في سن الثالثة، كان لدي مشاعر ازدواجية نحو إخوتي،
ويترتب على ذلك بطبيعة الحال إني أدس السم لجميع عشاقي.
لكني سعيدة الآن؛ فقد تعلمت هذا الدرس؛
وهو أن كل خطأ أرتكبه هو غلطة شخص آخر.
- نقلا عن آدمز، صفحة ٨
بطريقة أو بأخرى، يعمل الأخصائي النفسي على أن يجعل من زبونه ضحية شرور شخص آخر، وليس فاعل الشر. هذه هي الفكرة التي تؤدي بالناس إلى الاعتقاد بأن كل سلوك سيء سببه بيئة المرء، وبالتالي فإن مجرد تنظيف بيئتهم سيجعلهم يتصرفون بشكل جيد.
 
ب. تعاليم الإنجيل
نعم، يمكن للغير أن يساهموا في أخطائنا بإغوائهم لنا، بإساءة معاملتنا، وما إلى ذلك. سوف يحاسب الله أمثال هؤلاء. لكن هل يعفينا هذا من المسؤولية عن سلوكنا لمجرد أن شخصا آخر قد ساهم في ذلك؟
سفر التكوين ٣: ٩ـ ١٣ ـ ـ ألقى آدم باللوم على حواء لأنها أغوته، وألقت حواء باللوم على الحية لأنها أغوتها. لكن الله عاقب الثلاثة جميعهم. قد لا تكون حواء مسئولة عن الإغواء الذي تعرضت له، لكنها عوقبت لأنها لم تقاوم الإغواء كما يجب. منذ الخطيئة الأولى وحتى الآن، يحاول الخطاة تبرير خطاياهم من خلال إلقاء اللوم على الآخرين. اليوم، يجد الخطاة محترفين في العيادات النفسية لمساعدتهم في إلقاء اللوم على الغير، لقاء أجور باهظة!
سفر صموئيل الأول ١٥: ٣، ٩، ١٥، ٢٢، ٢٣ ـ ـ أمر الله شاول أن يدمر كل العمالقة ومواشيهم، لكنه بدلا من ذلك أبقى على حياة الملك وعلى خيرة المواشي. ألقى شاول باللوم على الشعب؛ لكن الله قال أن شاول قد عصى وتمرد، فنبذه كملك. ساهم الشعب في اقتراف الخطأ، لكن ذلك لم يعفي شاول من المسؤولية.
رسالة بولس إلى أهل رومية ١٢: ١٧ـ ٢١ ـ ـ لا تبادلوا أحدا شرا بشر، بل اغلبوا الشر بالخير. لا يبرر سوء المعاملة من قبل الآخرين ارتكابنا للأخطاء، وهو ليس حتى مبررا لعدم القيام بأي شيء، بل إنه يلزمنا بعمل الخير.
رسالة بطرس الأولى ٣: ١، ٢؛ رسالة بولس إلى أهل كولوسي ٣: ٩ ـ ـ على وجه التحديد، ماذا عن الشخص الذي لا تتبع زوجته (زوجها) الإنجيل؟ هل يبرر هذا ارتكابنا للخطيئة؟ لا. "يا لبؤسي. انظروا إلى سوء تصرفات زوجتي (زوجي). كيف يمكن لأي شخص أن يتوقع مني القيام بالشيء الصحيح في ظل هذه الصعوبات؟" لكن الله يقول أنه يجب علينا القيام بالشيء الصحيح بغض النظر عن تصرفات شريك حياتنا.
إنجيل متي ١٠: ٣٤ـ ٣٧ ـ ـ إذا أخطأ والدينا ـ أو في الحقيقة، إذا أخطأ كل عضو من أعضاء أسرتنا وأحبائنا ـ فليس هذا عذرا لأخطائنا. يجب أن نحب يسوع بما فيه الكفاية لنعمل ما يقوله بغض النظر عن كيفية معاملة الآخرين لنا.
ربما كنت لا تستطيع السيطرة على والديك، المجتمع، أو أي شخص آخر من حولك. لكن لا يزال بوسعك أن تسيطر على نفسك، لا تزال قادرا على القيام بالشيء الصحيح بغض النظر عن كيفية تصرف الغير. وهذا هو بالضبط ما يتوقع الله منك أن تفعله.

ثانيا. غالبا ما ينظر علم النفس إلى الشعور بالذنب على أنه مرض ليس الخاطئ مسئولا عنه

ا. اقتباسات من علم النفس
يقول هاري ملت مدير إعلام الرابطة الوطنية للصحة العقلية "أن المريض العقلي يستحق الفهم المتعاطف، النوع الذي تبديه نحو شخص مصاب بمرض جسدي ... حيث تلتمس له الأعذار لعلمك أنه مريض، وأن مرضه خارج عن نطاق إرادته، وأنه بحاجة إلى تعاطفك وتفهمك. الشخص الذي يعاني من مشاكل عقلية هو الآخر مريض، وهذا الأمر هو في معظم الأحيان شيء خارج عن نطاق إرادته" (نقلا عن آدمز، صفحة ٤، ٥).
أعطى قسيس في إحدى مستشفيات الأمراض العقلية النصيحة التالية للواعظين:
"أولا وقبل كل شيء، ليس هناك الكثير مما يمكنكم القيام به كرؤساء دينيين للأشخاص المقيمين في المستشفيات العقلية. ثانيا، ما يمكنكم عمله هو دعم حق المريض في أن يشعر بظلم الآخرين له. ثالثا، من المهم أن نفهم أن الخطاة المقيمين في المؤسسات العقلية لم يعودوا خاضعين لتأنيب الآخرين في الخارج، لقد زالت الضغوط، وبهذه الطريقة فإنهم وبهدوء يتخلصون من الشعور بالذنب وتتحسن حالتهم. رابعا، يجب علينا أن نعتبر الأشخاص المقيمين في المستشفيات العقلية، ليس منتهكي ضمير، بل ضحايا ضمائرهم. وأخيرا، عندما ننظر إلى تصرفاتهم الشاذة، التي تبدو وكأنها خطايا، لكنها ليست كذلك؛ فإن المريض ليس في الحقيقة مسئولا عن أفعاله؛ إن ما يفعله هو خارج نطاق إرادته؛ إنه مريض. وهو كثيرا ما يوجه اللوم إلى نفسه بسبب أمور لا يمكنه التحكم فيها، بسبب شيء ليس خطأه هو، وهذا هو مصدر مشاكله. وبالتالي فإن سوء التصرف الذي يستحق اللوم هو من المحرمات في مستشفى الأمراض العقلية. إن النهج المعتاد دينيا فيما يتعلق بالمسؤولية، الشعور بالذنب، الاعتراف والمغفرة لا ينطبق هنا. إن ضمائر هؤلاء المرضى هي مثقلة جدا بالفعل. هؤلاء هم أشخاص محايدون أخلاقيا، وكل ما نستطيع أن نفعله هو أن نكون متنفسا لهم" (لخص من قبل آدمز، صفحة ٩).
يحث سائر علماء النفس الواعظين على "مساعدة الأسرة والمجتمع ككل على تقبل الاضطراب العقلي باعتباره مرضا وليس عارا" (آدمز، صفحة ٢٨).
يطبق الدكتور ويليام ريدار هذا المبدأ بالتحديد على إدمان الكحول والمخدرات، سرقة المعروضات من المحلات التجارية، والانحرافات الجنسية [من الواضح أن هذا يشمل الشذوذ الجنسي]. ويقول أن مشاكل جميع أمثال هؤلاء الناس "هي أمراض، وليست خطايا" (بركلي، صفحة ١٤٧).
النتيجة التي تترتب على تفسير مثل هذه التصرفات كأمراض، هي أنها تعفي المرء من المسؤولية. إنه أمر خارج عن نطاق إرادته، كما لو كان يشكو من ورم في الدماغ أو أزمة قلبية. إنها ليست غلطته. فهو ليس بخاطئ ولا ينبغي أن يكون هناك ما يثقل ضميره؛ بل هو ضحية ضميره وسوء معاملة الآخرين له.
يترتب على ذلك أيضا أنه ليس هناك ما يمكنه القيام به إزاء مشكلته. فهو لم يسببها؛ لذلك لا يمكنه معالجتها. وبالتالي يتعين عليه أن يدعو الخبراء (علماء النفس) ويدعهم يحلون المشكلة. أما إذا لم يتمكنوا من العثور على حل، فإن قضيته تصبح ميئوسا منها، لأنه ليس هناك ما يمكنه القيام به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق