السبت، 22 يونيو 2013

من هو الإنسان للانبا موسى



http://2.bp.blogspot.com/-wu7Lnmtj1Ds/T2TibVPmBAI/AAAAAAAALoA/4Rd2DY9jtMo/s1600/s3.jpg 
من هو الإنسان ؟.

V      من هو هذا الإنسان الذى استدر عطف الله ولطفه إلى هذا الحد ؟

V      من هو الإنسان الذى فتحت له السماء ذراعها لتنقذه وتأويه ؟

V      من هو الإنسان الذى أخذ المسيح شكله وصار فى الهيئة كإنسان ؟

V      من هو الإنسان الذى حوى غير المحوى وصار له سماء ثانية فى شخص عذراء .

الإنسان مخلوق سماوى , متغرب على الأرض . رحلته تبدأ من السماء , وتختتم فى السماء , مرورا بالأرض . فدائرة الرحلة العظيمة , يوجد فى قطرها نقطة تسمى الأرض .

حين خلق الله الكائنات الأخرى . كونها بكلمة : وقال الله ليكن نور فكان نور , وقال الله ليكن جلد .. وكان كذلك , وقال الله لتنبت الأرض عشبا وبقلا فأخرجت الأرض عشبا وبقلا , وقال الله لكن أنوار فى جلد السماء فكان كذلك , وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية , وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها ... وكان كذلك . ( تك 3 : 1 , 6 , 7 , 11 , 14 , 20 , 24 )

ولكن حين خلق الله الإنسان , لم يشرك معه فى الخلقة شيئا آخر , ولم يوكل أمر خلقته إلى أخر " وجبل الرب الإله آدم ترابا  من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا حية , وغرس الرب الإله جنة عدن شرقا , ووضع هناك آدم الذى جبله " ( تك 2 : 7 , 8 ) ففى خلقة الله للإنسان , جبله من الأرض ترابا . ونفخ فيه ليحيا هذا التراب ويتحرك ووجد كائن حى . ( أع 17 : 28 )

فقد أسند الرب للأرض إخراج الحيوانات والنباتات , وللمياه إخراج الزحافات . وللسماء إخراج الطيور . أما الإنسان فخلقه هو بذاته من غير أن يعهد بكائن آخر به . وعمل لا كائنا حيا فقط إنما يكون كائنا خالدا خلود نفخة الله .

من هنا بدأ الإنسان رحلته ( السماء ) , وإلى الله يختم الإنسان رحلته ( السماء ) . فقد خرج من عند الله وأتى إلى العالم , وأيضا يترك العالم ويذهب إلى الله . " فيرجع التراب إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذى أعطاها " ( جا 7 : 12 ) .

قالوا أن الإنسان سمى إنسانا لأنه سريع وكثير النسيان . فقد ينسى ما ينبغى عليه تذكره , ويتذكر ما يستحسن نسيانه , فمن كلمة نسيان وردت كلمة إنسان ( أش 49 : 15, تث 32 : 18 , فى 3 : 14 , يع 1 : 24 )

كتب حكيم هذه المقولة الحكيمة : أذكر اثنين , وانسى اثنين . أذكر الله والموت , وأنسى إساءات الناس لك وحسناتك للناس .

وقالوا : إن كلمة إنسان فى اللغة اليونانية تنطق هكذا أنثروبوس ANTHROPOS ومنها جاء علم الانثروبولوجى أى علم الإنسان وهذه الكلمة تعنى حرفيا : الناظر إلى أعلى فهذه سمة من السمات التى ينفرد بها الإنسان دونا عن بقية الكون والكائنين فى الكون .

بينما تشق النخلة ى عباب السماء , إذ نجد قيدها وفروعها ترنو إلى الأرض التى جاءت منها وإليها تعود , ورغم أن النسر ينخر فى علوه الشاهق بالجو العميق , إلا أن عينيه محملقتان فى الأرض . ولأجل هذا نجد كل حيوانات الأرض تسير على أربع وأكثر من أربعة أرجل حتى إلى الأرض تحن عياه وتنظر مقلتاها فالزرافة صاحبة أطول عنق يرتفع إلى العلو , إلا أن عينيها لا تنظران إلا إلى الأرض .

أما الإنسان فنصبه الله على قدمين لا أكثر , واستقام له ظهره بأسلوب رأسى لا بالطريقة الأفقية التى اعتدنا رؤيتها فى كل الكائنات الأخرى . ورغم هذا حفظ توازنه واتزانه مقاوما كل جاذبية الأرض له . إذ خلقه الله مرفوع الهامة منصوب القامة على الرأس شاخص العينين إلى أعلى لا إلى أسفل كبقية أترابه الذين معهم يعيش  ومثلهم يموت . لأن الإنسان مخلوق سماوى , رحلته تبدأ من السماء حيث نفخة الله وتختتم فى السماء , حيث سكنى الله , وأن تغرب على الأرض حيث عناية الله ورعايته .

فكل الحيوانات والطيور تنبطح فوق الأرض , والإنسان ينتصب عليها , لأن منها سيأخذ نقطة انطلاقه نحو السماء التى هى موطنه وإن غابت عنها بالجسد وإن تغرب منها فى الأرض ولعل بهذه الصورة الأفقية للكائنات . والرأسية للإنسان . سيتكون منظر الصليب الذى هو خشبتان متعارضان ومتلاصقان .

إذن فمن هو الإنسان ؟

وبماذا يتميز ويتسم ؟



عزيزى الإنسان : أنت الوحيد فى الكون كله :

1-     أنت الوحيد فى الكون كله الذي تفعل الخطيئة و باقى الكائنات لا تفعل الخطيئة أن تفعل الخطأ

2-     لأنك أنت الوحيد فى الكون كله الحر ، و بقية الكائنات مقيدة مصيره لا مخير ه

3-     إذ أنت الوحيد فى الكون كله الملك العقل ، و بقية الكائنات لا تملك عقلا بل غريزة

4-     و عقلك نابع من روحك العاقلة ، فأنت الوحيد فى الكون كله الذي بك روح و بقية الكائنات نفوس لا أرواح.

5-     لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذي سيدان و يحاسب ، و بقية الكائنات لن تدان و لن تحاسب .

6-     فأنت الوحيد الذي سيقوم من الموت ليدان ، و بقية الكائنات تموت و لا تقوم .

7-     من أجل هذا فأنت الوحيد فى الكون كله الخالد و بقية الكائنات مؤقته موقوته ، لا خلود لها

هذه هى ملامحك الجليلة أيها الإنسان ، إذ تبدأ حياتك هنا جنباً إلى جنب مع الحيوانات

( تك 1 : 26 ) ، و تختتم حياتك فى السماء مع الملائكة ( مت 3 : 39 ، 49 ، 25 : 31 ، مر 8 : 38 ، لو 9 : 26 ، 1 تى 5 : 21 ، رؤ 3 : 5 ، عب 12 : 22 ) لذا أطلقوا عليك ألقاباً حيوانية قالوا عنك فيها أنك حيوان ناطق حيوان متطور حيوان اجتماعى ضاحك ، كما أطلقوا على حفنه من أترابك البشر مسمى : البشر السماويون أو الملائكة الأرضيون ذلكم هم آباؤنا كوكبة البرية و كواكبها الذين أثروا ثرى مصر و براريها بثروات ثورات حياتهم الروحية الثرية .

فأنت يا عزيزى وحيد فى أمور كثيرة .

تعال نتصفحها واحدة تلو الواحدة :

أولاً : أنت الوحيد فى الكون كله الذي تفعل الخطيئة و باقة الكائنات قد تفعل الخطأ و لكن لا تفعل الخطيئة :

الخطأ .. و الخطيئة . الخطأ كل شئ جانب الصواب أما خطيئة فهى التعدى و كسر الوصية

(1يو 3 : 4 ) الإنسان يشارك الكائنات كلها فى عمل الخطأ و ينفرد عن جميعها فى اقتراف الخطيئة . فالخطية صناعة بشرية و إنتاج آدمى و إخراج إنسانى لا اشتراك للكائنات الأخرى فيه

( يو 8 : 7 ، 26 ، 7 : 46 ، 16 : 8 ، رو 5 : 18 ، 1كو 6 : 18 ، 1يو 1 : 7 ، 1يو 3 : 4 ) .

لا توجد الخطيئة بعيداً عن عالم البشر ، فالكذب و الشتيمة و القسم و كلام الهزل و التجديف و الارتداد و الزنى و السرقة و القتل و حب ما للغير و شهادة الزور و البغض .. ألخ كلها وجدت لقدميها مستقرا فى عالم الإنسان ، و لم تجد راحة لها فى بقية العوالم .

و إن كنا نجد فى عالم الحيوانات الركل و الرفس و النطح و النفث و العض و الخطف و الفحيح و الافتراس . إلا أن هذه كلها لا تنجم عن تعدى و خطية و الإنسان هو الوحيد الذي يخطئ دونا عن بقية كائنات الكون و الكائنين فيه .

لذا لم يرسل الله دينا و لا نبياً و لا رسولا و لا كتابا لعالم آخر غير عالم الإنسان ، و لم يأت لخلاص الحيوانات ، لأنه جاء ليخلص البشر ، و لا يوجد ما يسمى خطاة فى عالم آخر غير عالم البشرى . و لربما لهذا اختار الرب يسوع أن يولد فى حظيرة وسط الكائنات التى لم تفعل الخطية لأنه قدوس القديسين . (دا9 : 49 مع لو 2 : 6 ، 7 ) .

و لذا لم يطالب الله حيواناً بتوبة ، و لم يؤسس لهم سراً لها و لم يناشدهم الرجوع و العودة كما ناشد الإنسان و طالبة . كما لا نجد فصيلة من فصائلهم تنتمى إلى دين دون دين آخر ، أو ترتد عن دين إلى دين آخر فلا دين لغير الإنسان ، و لا ضمير فى غير الإنسان .

لقد أتقن الإنسان الخطية استطاع تأديتها بكل مهارة ، و ذكاء ، حتى اخترع بها و فيها أمورا عديدة قامت روح الإنسانية العظيمة و استراحت الخطية فى أحضانه و وجدت لها مقراً و لقدميها مستقرا

فأنت الوحيد الذي تطالب بالتوبة و العودة لأحضان الملك ، لأنك أنت الوحيد الذي تخطئ دون بقية الخلائق الأخرى شاركتها فى فعل الخطأ و لم تدانيك فى فعل الخطية .

ثانياً : أنت الوحيد الذي تخطئ لأنك أنت الوحيد الحر فى الكون كله ، و بقية الكائنات مصيره لا مخيره لا مختاره :

لم يسلب الله منك الحرية كما سلبها من كل الكائنات ، فأنت حر فى أن تحبه و أن تكرهه ، و أن تقبله و أن توليه ظهرك و ترفضه أن تخلص إليه ، و أن تمقته . أن هناك أموراً فى الإنسان لا حرية له فيها . و هى تلك التى تكتب بطاقته الشخصية : كأسمه و نوعه و تاريخ ميلاده و مسقط رأسه و تاريخ وفاته و كيفيتها و مكانها و أسم أمه و أبيه و عائلته و لونه و سحنته .. الخ كل هذه الأمور ، لا دخل لك فيها ، ، أنها مفروضه عليك و أنت مجبر عليها . أما بقية سلوكيات حياته فهو حر فيها لا إجبار عليها ، لأن الله لا يعطيه الأبدية على حساب الحرية . فقد تركه يرتع فى الحرية و إن أغاظه بها و أحزنه .

و لكن ثق عزيزى أن حريتك هذه مرهونه بوجودك فى هذا الجسد ، فبعدما تتركه تفتقد كل مميزات الحرية التى عشت عليها قبلا فلا الجسد أضحى حراً و لا الروح ، فليس من حق الروح العودة إلى الجسد ثانية ، و لا تقرير مصيرها و اختياره كما كانت لها هذه الفرصة قبل خروجها من البدن . و الجسد بعد الموت يشئ قبلما يشيع ، فتؤول ملكيته إلى الحكومة التى لها أن تصدر أمرا بدفئه أو لا تصدر . إذن فالحرية التى بها أنت تفتخر على بقية الكون و تسود ، هى حرية وقتيه تنتهى بانتهاء حياتك من الأرض ، و خروج روحك من الجسد . و مع هذا فأنت الوحيد الحر فى الكون كله لذا أنت الوحيد الذي تخطئ فى الكون كله ، لذا أنت الوحيد الذي تتوب فى الكون كله راجع ( لو4 : 17 ، رو8 : 21 ، 1كو 10 : 28 ، 2 كو 3 : 17 ، غلا5 : 1 : 3 ، 1بط 2 : 16 ، 19 ) .

لو تأملنا إلى جمل كبير يسوقه طفل صغير ، و إلى فيل ضخم يمتطيه أطفال فى سن غضه ، لرأينا السيد ( الطفل ) كما شاهدنا العبد و المملوك ( الحيوان ) و خضوع المملوك لمالكه ، نراه فى خضوع الجمل و الفيل لطفل من عالم البشر أن الكون كله مصير و أنت الوحيد فى الكون مخير فلا تستخدم الحرية فرصة للجسد ، و لا ترتبك بنير العبودية .

ثالثاً : و لأنك أنت الوحيد الحر فى الكون كله ، فلأنه أنت الوحيد العاقل و بقية الكائنات تملك الغريزة و لا تملك العقل :

أن لكل كائن مخا و غرائز بما فى ذلك الإنسان ، فقد شاركت الكائنات بالمخ ، و بأربعة عشرة غريزة . و لكن الغريب أن الكائنات الأخرى تسيرها الغرائز لا العقل الذي يحكم الإنسان و يسيره فقد زاحمها فيما نملك و انفرد عنها بالعقل الذي لا تملك و رغم هذا فإننا كثيراً ما نظلم الحيوان حين نصف الإنسان فى حالات ضعفه أنه يسلك كالحيوانات ، و حين نصف غرائزه بأنها الغريزة البهيمية و شهوته بأنها الشهوة الحيوانية ، و ذلك لأن الحيوان فى معظم غرائزه يكون أعف من الإنسان . فلا يأكل إذا كان شبعاناً ، و تمتنع أنثاه عن مجانبة ذكرها إذ تحمل منه و لا يشرب إلا إذا كان حقاً ظمأناً .

شاهدت فيلماً علمياً يحكى كيف يصطاد الإنسان الزرافه ، فمجموعة من الشباب تركب عربة خاصة و حمل حبالا تلقيها بطريقة معينة فتلتف حول رقبتها فتقع بين أيديهم أسيرة ذليلة مستسلمة فيلقون عليها الأيدى ، و بسجن حديدى متنقل يحبسونها و أمامها يقفون لالتقاط الصور التذكارية . و لقد أعجبنى جداً تعليق المذيع الذي قدم هذا الحدث حين قال : انظر كيف استطاع العقل أن ينتصر على القوة .

وقفت مرة أمام صورة ميلاد المسيح ، فوجدت أن هناك اختلافاً كبيراً بين يوسف و رجل اليوم ، و مريم و امرأة اليوم فى الملبس و الأثاث و الإمكانيات الحضارية المتاحة . إلا أنى لم أجد إختلافاً بين حيوان القرن الأول و حيوان القرن العشرين فحيوان الأمس هو حيوان اليوم لا اختلاف فيه و لا خلاف عليه .

ذلك لأن الحيوان يبدأ من حيث بدأ سابقه ، أما الإنسان فيبدأ من انتهى سابقه . ولقد ظن البعض أن الدين ضد العقل , والعقل ضد الدين , إلا أن المصالحة التى وضعها أوغسطينوس تحل المشكلة حين قال : الإيمان يسبق العقل والعقل يسبق الإيمان وأنى أؤمن لكى أتعقل .

ولقد مدح داود أبيجابل الكرملية زوجة نابال لأجل عقلها بقوله : مبارك عقلك ( 1 صم 25 : 32 ) وزم سليمان المرأة الجميلة العديمة العقل واصفا إياها بأنها خزامة عنه عقله ( دا 2 : 14 , 4 : 34 ) أما الرب يسوع فأحب الشاب الغنى لأنه أجابه بعقل وقال لست بعيدا عن ملكوت الله      ( مر 12 : 34 ) حتى العبادة طالبنا أن تكون عقلية وبفهم ( رو 12 : 1 ) راجع ( تث 22 : 29 , مز 94 : 8 , هو 4 : 14 , ام 6 : 32 , جا 7 : 25 , رو 14 : 5 )

إن نظرة واحدة إلى الأبدية . نخرج منها بهذه الحقيقة .

إن الأبرار سيشكرون الله على أرواحهم التى خلدوا وعاشوا خالدين وذاقوا جمال السماء وهبة الخلود , أما الأشرار إذ يوجدون فى سعير جهنم ونارها , سيحسدون الحيوانات على الفناء الذى ألوا إليه وانتهوا فيه , ويتمنون لو أن لهم ذات المصير الذى لهذه الكائنات .

رابعاً : ولأنك أنت الوحي العاقل فى الكون كله , فلأنك أنت الوحيد الذى توجد فى روح وبقية الكائنات تمتلك النفس .

أنت كبقية كائنات الكون تحيا بالنفس , ولكنك تنفرد عنها بالروح العاقل فالروح التى فيك محرومة بقية الحيوانات منها , والنفس التى فيهم تشاركهم فيها وتزاحمهم . وهم إذ تخرج نفوسهم , يعودون إلى ترابهم مثلك تماما , فحادثة واحدة لكليكما , وإلى موضع وذهب كلاكما . ( جا 2 : 14 , 3 : 19 , 9 : 2 ) .

فالموت الذى يصيبهم يصيبك , ونتاج الموت الذى يحدث لهم يحدث لك ولكنك بعد الموت لك خلود . اما هم بعد الموت ففانون . إذن فالنفس البشرية هى علة حياة الإنسان , أما الروح الآدمية فهى علة عقله وعلة خلوده . وهاتان السمتان لا توجدان فى كائن آخر أيا كان .

أنت واحد فى ثالوث , وثالوث فى واحد , إذا أنت بدن , ونفس وروح روحك هى علة عقلك لأنها نفخة العقل الأعظم الله خالق السموات والأرض ما يرى وما لا يرى , فالعقل الذى فيك علته الروح التى جبلها الله فى داخلك جاء فى المزمور قوله : ابن آدم تخرج روحه ,  فيعود إلى ترابه حينئذٍ تهلك كافة أفكاره وجاء فى سفر الجامعة التراب يرجع إلى التراب الذى أخذ منه أما الروح فتعود إلى الله الذى أعطاها . ( جا 12 : 7 , مز 146 : 4 ) .

فعالم الأرواح إذن هو عالم أشترك فيه الإنسان مع الملائكة , الذين خلقهم الله أرواحا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص ( عب 1 : 14 مع عد 27 : 26 , مز 104 : 29 أم 16 : 2 ) .

وكما اشترك الإنسان مع الحيوان فى الجسم فى حياته الأرضية وتآلف معهم وعاش , يشارك الملائكة بروح فى العالم الآتى بعد قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى .

لقد خلق الله الملائكة أرواحا بلا جسد . وخلق الله الحيوانات أجسادا ذات نفوس بغير روح . أما الإنسان فخلقه الله جسدا ذا نفس بروح عاقلة . فهو مثلث الخواص : جسد ,  نفس , روح . وهذا ما قاله الرسول بولس فى رسالته للتسالونيكيين : إله السلام يقدسكم بالتمام ولتحفظ نفوسكم وأجسادكم وأرواحكم ( 1 تس 5 : 23 ) .

خامسا ً: لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذى سوف تدان , وبقية الكائنات لن تدان ولن تحاسب .

لأن الله لم يسع إلا لخلاص الإنسان . لذا فلن يدين غير الإنسان . لن يحاسب . الدب الذى أكل أطفال أليشع , ولن يجازى الأسد الذى افترس بلعام  . ولن يدين الحصان الذى علق بالبطمة ابشالوم , ولن يكافئ الأتان التى نطقت موبخة نبيا والتى رأت ما لم يره الناس ولن يقتنص من الحيات التى لدغت شعبا بأكمله وقتلته , ولا من ذباب وبعوض أهلك أرض مصر , ولا من فئران ضربت قربة بيت شمس , لن يحاسب حيوانا ولن يدين حشرة ولن يجازى طيرا .

قد تفعل الحظر مشاركا حيوانك فيها , ووقتئذٍ سوف تقف وحدك تدفع عنها الثمن أما هو فقد أفلته فناؤه وأنت سقطت فى شركة أنت الوحيد المدان فى الكون كله , ورغم أن بقية الكائنات قد تشاركك الخطأ وتترك لك الخطيئة , أن تدان على كليهما , أما هى فلا تدان على شئ منهما فالدينونة للبشر فقط دون بقية الخلائق .

لذا احتلت فكرة الدينونة كل صلواتنا الليتورجيا . ففى القداس الباسيلى نقول : ورسم يوما للمجازاة هذا الذى يأتى ليدين المسكونة بالعدل ويعطى ويجازى كل واحد حسب أعماله وفى قداسنا الأغريغورى نقول : أظهرت لى إعلان مجيئك هذا الذى تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات وتعطى كل واحد كأعماله . وفى قداسنا الكيرلسى نقول : وظهورك الثانى هذا الذى تأتى فيه لتدين المسكونة بالعدل وتعطى وتجازى كل واحد وواحد كما عمله إن كان خيرا وإن كان شرا . وفى كل هذه الصلوات وقلوب الحناجر صارخة مدوية إن كرحمتك ولا كخطايا .

فالله هو الديان ( مز 50 : 6 , 1 صم 24 : 15 ) ديان الأرض كلها ( مز 94 : 2 ) الذى يصنع عدلا ( تك 18 : 25 ) والإنسان سيقف وحيدا أمام الله مدانا ( لو 19 : 22 , دا 7 : 10 ) فى يوم الدين ( مت 10 : 15 , 11 : 22 , 12 : 36 , 41 , مر 6 : 11 , لو 11 : 31 , 2 بط 2 : 9 , 3 : 7 , ايو 4 : 7 , 17 ) وكما لن يدان من غيره كذلك لن يدان غيره .

سادسا : ولأنك الوحيد الذى ستدان , لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذى سيقوم كى يدان :

الحيوانات والطيور والنباتات إذا ماتت لا تقوم , أما أنت عزيزى تموت ثم تقوم , لأن لك قيامة بعد الموت حيث ينتظرك يوم عظيم هو يوم الدينونة . فرغم أنك تموت كبقية الكائنات إلا أن بقية الكائنات لن تقوم نظيرك لأن لا دينونة لها تنتظرها بالقيامة للبشر فقط , والقيامة لأجساد البشر دون أرواحهم لأن أرواحهم لم تمت . الذى مات فيهم أجسادهم .

حيث قال السيد المسيح لمريم سيقوم أخوك , قالت له أنا أعلم أنه سيقوم فى اليوم الأخير , ولم تكن تدرى أن القيامة قائمة قبالها لأن المسيح هو القيامة ( يو 11 ) .

فالإنسان والحيوان يرقدان معا ( جا 12 : 7 ) ولكن لن يقوما معا فالقيامة للإنسان فقط لا لكليهما , أما الموت فاللإثنان .

وآنئذ لن يكون هناك حيوانات وطيور ونباتات بل سيكون هناك عالم الأرواح كورة الأحياء إلى الأبد عالم الملائكة .

سابعا : ولأنك تقوم بعد الموت لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الخالد . وأما بقية الكائنات والكائنين بالكون مؤقتة وموقوتة :



كل ما تراه حولك و معك فإن لا محالة باستثناء أنت الكائن الوحيد فيه الخالد بدأت رحلتك التى انطلقت فيها من السماء مع الحيوانات ، و أخيرا ختمتها مع الملائكة ، بارا كنت أم شريرا .. فالأبرار سيحيون فى الملكوت بعد الفردوس مع الملائكة الأبرار ، و الأشرار إبليس و ملائكته .

لا نستطيع أن نطلق على الإنسان مصطلح الأبدية ، لأن الأبدية إحدى صفات الله وحده ، و لكن يمكن أن نسمى الإنسان بصفة الخلود . فالخلود هبه و منحه و هبها الله للمخلوقات العاقلة و منحها لعالمى الأرواح : الملائكة و البشر فكما نزلت بجسدك ضيفاً على عالم الحيوان و ترأست عليه و تملكت ، تنزل فى عالم الملائكة شريكاً لهم فى الملكوت . و هذا يتضح من مقولتى يوم الدينونة :

تعالوا إلى يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ( مت25 : 34 ) .

اذهبوا عنى يا ملاعين إلى النار الأبدية المعدة لإبليس و ملائكته ( مت 25 : 41 ) .

إذن حياة الإنسان ليست موقوته و مؤقته كنظيرة الحيوان و نظرائة فى بقية الكون ، لأنه يختتمها هنا لكى يبتدئها هناك و ينهيها هنا كى يواصلها فى عالم آخر أكثر رحاباً وسعه و جمالا و بهاء .

جاء فى كلمات رب المجد يسوع " إن لم تكونوا أمناء فى ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم " ( لو16 : 12 ) و لقد أعتاد أن يأتمنوا الإنسان فى ما هو ليس له عندما يرونه أميناً فيما له . و لكن كلام الرب يسوع هنا يقلب الموازين ، فإن وجدك الله أميناً فيما هو للغير ( الأرض الحياة الحاضرة ، العالم المال ) يعطيك ما هى لك الملكوت الأبدية ( مت25 : 34 ) إذن فنحن غرباء فى أرض مررنا عليها و عبرنا فى رحلتنا التى نقطة البداية و النهاية فيها واحدة و هى السماء .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق