من هو الإنسان ؟.
V من هو هذا الإنسان الذى
استدر عطف الله ولطفه إلى هذا الحد ؟
V
من هو الإنسان الذى
فتحت له السماء ذراعها لتنقذه وتأويه ؟
V
من هو الإنسان الذى أخذ
المسيح شكله وصار فى الهيئة كإنسان ؟
V
من هو الإنسان الذى حوى
غير المحوى وصار له سماء ثانية فى شخص عذراء .
الإنسان مخلوق سماوى ,
متغرب على الأرض . رحلته تبدأ من السماء , وتختتم فى السماء , مرورا بالأرض .
فدائرة الرحلة العظيمة , يوجد فى قطرها نقطة تسمى الأرض .
حين خلق الله الكائنات
الأخرى . كونها بكلمة : وقال الله ليكن نور فكان نور , وقال الله ليكن جلد .. وكان
كذلك , وقال الله لتنبت الأرض عشبا وبقلا فأخرجت الأرض عشبا وبقلا , وقال الله لكن
أنوار فى جلد السماء فكان كذلك , وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية , وقال
الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حية كجنسها ... وكان كذلك . ( تك 3 : 1 , 6 , 7 , 11 ,
14 , 20 , 24 )
ولكن حين خلق الله
الإنسان , لم يشرك معه فى الخلقة شيئا آخر , ولم يوكل أمر خلقته إلى أخر "
وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسا
حية , وغرس الرب الإله جنة عدن شرقا , ووضع هناك آدم الذى جبله " ( تك 2 : 7
, 8 ) ففى خلقة الله للإنسان , جبله من الأرض ترابا . ونفخ فيه ليحيا هذا التراب
ويتحرك ووجد كائن حى . ( أع 17 : 28 )
فقد أسند الرب للأرض
إخراج الحيوانات والنباتات , وللمياه إخراج الزحافات . وللسماء إخراج الطيور . أما
الإنسان فخلقه هو بذاته من غير أن يعهد بكائن آخر به . وعمل لا كائنا حيا فقط إنما
يكون كائنا خالدا خلود نفخة الله .
من هنا بدأ الإنسان
رحلته ( السماء ) , وإلى الله يختم الإنسان رحلته ( السماء ) . فقد خرج من عند
الله وأتى إلى العالم , وأيضا يترك العالم ويذهب إلى الله . " فيرجع التراب
إلى الأرض كما كان وترجع الروح إلى الله الذى أعطاها " ( جا 7 : 12 ) .
قالوا أن الإنسان سمى
إنسانا لأنه سريع وكثير النسيان . فقد ينسى ما ينبغى عليه تذكره , ويتذكر ما
يستحسن نسيانه , فمن كلمة نسيان وردت كلمة إنسان ( أش 49 : 15, تث 32 : 18 , فى 3
: 14 , يع 1 : 24 )
كتب حكيم هذه المقولة
الحكيمة : أذكر اثنين , وانسى اثنين . أذكر الله والموت , وأنسى إساءات الناس لك
وحسناتك للناس .
وقالوا : إن كلمة إنسان
فى اللغة اليونانية تنطق هكذا أنثروبوس ANTHROPOS ومنها جاء علم الانثروبولوجى أى علم الإنسان وهذه الكلمة تعنى
حرفيا : الناظر إلى أعلى فهذه سمة من السمات التى ينفرد بها الإنسان دونا عن بقية
الكون والكائنين فى الكون .
بينما
تشق النخلة ى عباب السماء , إذ نجد قيدها وفروعها ترنو إلى الأرض التى جاءت منها
وإليها تعود , ورغم أن النسر ينخر فى علوه الشاهق بالجو العميق , إلا أن عينيه
محملقتان فى الأرض . ولأجل هذا نجد كل حيوانات الأرض تسير على أربع وأكثر من أربعة
أرجل حتى إلى الأرض تحن عياه وتنظر مقلتاها فالزرافة صاحبة أطول عنق يرتفع إلى
العلو , إلا أن عينيها لا تنظران إلا إلى الأرض .
أما
الإنسان فنصبه الله على قدمين لا أكثر , واستقام له ظهره بأسلوب رأسى لا بالطريقة
الأفقية التى اعتدنا رؤيتها فى كل الكائنات الأخرى . ورغم هذا حفظ توازنه واتزانه
مقاوما كل جاذبية الأرض له . إذ خلقه الله مرفوع الهامة منصوب القامة على الرأس
شاخص العينين إلى أعلى لا إلى أسفل كبقية أترابه الذين معهم يعيش ومثلهم
يموت . لأن الإنسان مخلوق سماوى , رحلته تبدأ من السماء حيث نفخة الله وتختتم فى
السماء , حيث سكنى الله , وأن تغرب على الأرض حيث عناية الله ورعايته .
فكل
الحيوانات والطيور تنبطح فوق الأرض , والإنسان ينتصب عليها , لأن منها سيأخذ نقطة
انطلاقه نحو السماء التى هى موطنه وإن غابت عنها بالجسد وإن تغرب منها فى الأرض
ولعل بهذه الصورة الأفقية للكائنات . والرأسية للإنسان . سيتكون منظر الصليب الذى
هو خشبتان متعارضان ومتلاصقان .
إذن
فمن هو الإنسان ؟
وبماذا
يتميز ويتسم ؟
عزيزى
الإنسان : أنت الوحيد فى الكون كله :
1-
أنت الوحيد فى الكون
كله الذي تفعل الخطيئة و باقى الكائنات لا تفعل الخطيئة أن تفعل الخطأ
2-
لأنك أنت الوحيد فى
الكون كله الحر ، و بقية الكائنات مقيدة مصيره لا مخير ه
3-
إذ أنت الوحيد فى الكون
كله الملك العقل ، و بقية الكائنات لا تملك عقلا بل غريزة
4-
و عقلك نابع من روحك
العاقلة ، فأنت الوحيد فى الكون كله الذي بك روح و بقية الكائنات نفوس لا أرواح.
5-
لذا فأنت الوحيد فى
الكون كله الذي سيدان و يحاسب ، و بقية الكائنات لن تدان و لن تحاسب .
6-
فأنت الوحيد الذي سيقوم
من الموت ليدان ، و بقية الكائنات تموت و لا تقوم .
7-
من أجل هذا فأنت الوحيد
فى الكون كله الخالد و بقية الكائنات مؤقته موقوته ، لا خلود لها
هذه هى ملامحك الجليلة
أيها الإنسان ، إذ تبدأ حياتك هنا جنباً إلى جنب مع الحيوانات
( تك 1 : 26 ) ، و
تختتم حياتك فى السماء مع الملائكة ( مت 3 : 39 ، 49 ، 25 : 31 ، مر 8 : 38 ، لو 9
: 26 ، 1 تى 5 : 21 ، رؤ 3 : 5 ، عب 12 : 22 ) لذا أطلقوا عليك ألقاباً حيوانية
قالوا عنك فيها أنك حيوان ناطق حيوان متطور حيوان اجتماعى ضاحك ، كما أطلقوا على
حفنه من أترابك البشر مسمى : البشر السماويون أو الملائكة الأرضيون ذلكم هم آباؤنا
كوكبة البرية و كواكبها الذين أثروا ثرى مصر و براريها بثروات ثورات حياتهم
الروحية الثرية .
فأنت يا عزيزى وحيد فى
أمور كثيرة .
تعال نتصفحها واحدة تلو
الواحدة :
أولاً : أنت الوحيد فى
الكون كله الذي تفعل الخطيئة و باقة الكائنات قد تفعل الخطأ و لكن لا تفعل الخطيئة
:
الخطأ .. و الخطيئة .
الخطأ كل شئ جانب الصواب أما خطيئة فهى التعدى و كسر الوصية
(1يو 3 : 4 ) الإنسان
يشارك الكائنات كلها فى عمل الخطأ و ينفرد عن جميعها فى اقتراف الخطيئة . فالخطية
صناعة بشرية و إنتاج آدمى و إخراج إنسانى لا اشتراك للكائنات الأخرى فيه
( يو 8 : 7 ، 26 ، 7 :
46 ، 16 : 8 ، رو 5 : 18 ، 1كو 6 : 18 ، 1يو 1 : 7 ، 1يو 3 : 4 ) .
لا توجد الخطيئة بعيداً
عن عالم البشر ، فالكذب و الشتيمة و القسم و كلام الهزل و التجديف و الارتداد و
الزنى و السرقة و القتل و حب ما للغير و شهادة الزور و البغض .. ألخ كلها وجدت
لقدميها مستقرا فى عالم الإنسان ، و لم تجد راحة لها فى بقية العوالم .
و إن كنا نجد فى عالم
الحيوانات الركل و الرفس و النطح و النفث و العض و الخطف و الفحيح و الافتراس .
إلا أن هذه كلها لا تنجم عن تعدى و خطية و الإنسان هو الوحيد الذي يخطئ دونا عن
بقية كائنات الكون و الكائنين فيه .
لذا لم يرسل الله دينا
و لا نبياً و لا رسولا و لا كتابا لعالم آخر غير عالم الإنسان ، و لم يأت لخلاص
الحيوانات ، لأنه جاء ليخلص البشر ، و لا يوجد ما يسمى خطاة فى عالم آخر غير عالم
البشرى . و لربما لهذا اختار الرب يسوع أن يولد فى حظيرة وسط الكائنات التى لم
تفعل الخطية لأنه قدوس القديسين . (دا9 : 49 مع لو 2 : 6 ، 7 ) .
و لذا لم يطالب الله
حيواناً بتوبة ، و لم يؤسس لهم سراً لها و لم يناشدهم الرجوع و العودة كما ناشد
الإنسان و طالبة . كما لا نجد فصيلة من فصائلهم تنتمى إلى دين دون دين آخر ، أو
ترتد عن دين إلى دين آخر فلا دين لغير الإنسان ، و لا ضمير فى غير الإنسان .
لقد أتقن الإنسان
الخطية استطاع تأديتها بكل مهارة ، و ذكاء ، حتى اخترع بها و فيها أمورا عديدة
قامت روح الإنسانية العظيمة و استراحت الخطية فى أحضانه و وجدت لها مقراً و
لقدميها مستقرا
فأنت الوحيد الذي تطالب
بالتوبة و العودة لأحضان الملك ، لأنك أنت الوحيد الذي تخطئ دون بقية الخلائق
الأخرى شاركتها فى فعل الخطأ و لم تدانيك فى فعل الخطية .
ثانياً : أنت الوحيد الذي
تخطئ لأنك أنت الوحيد الحر فى الكون كله ، و بقية الكائنات مصيره لا مخيره لا
مختاره :
لم يسلب الله منك
الحرية كما سلبها من كل الكائنات ، فأنت حر فى أن تحبه و أن تكرهه ، و أن تقبله و
أن توليه ظهرك و ترفضه أن تخلص إليه ، و أن تمقته . أن هناك أموراً فى الإنسان لا
حرية له فيها . و هى تلك التى تكتب بطاقته الشخصية : كأسمه و نوعه و تاريخ ميلاده
و مسقط رأسه و تاريخ وفاته و كيفيتها و مكانها و أسم أمه و أبيه و عائلته و لونه و
سحنته .. الخ كل هذه الأمور ، لا دخل لك فيها ، ، أنها مفروضه عليك و أنت مجبر
عليها . أما بقية سلوكيات حياته فهو حر فيها لا إجبار عليها ، لأن الله لا يعطيه
الأبدية على حساب الحرية . فقد تركه يرتع فى الحرية و إن أغاظه بها و أحزنه .
و لكن ثق عزيزى أن
حريتك هذه مرهونه بوجودك فى هذا الجسد ، فبعدما تتركه تفتقد كل مميزات الحرية التى
عشت عليها قبلا فلا الجسد أضحى حراً و لا الروح ، فليس من حق الروح العودة إلى
الجسد ثانية ، و لا تقرير مصيرها و اختياره كما كانت لها هذه الفرصة قبل خروجها من
البدن . و الجسد بعد الموت يشئ قبلما يشيع ، فتؤول ملكيته إلى الحكومة التى لها أن
تصدر أمرا بدفئه أو لا تصدر . إذن فالحرية التى بها أنت تفتخر على بقية الكون و
تسود ، هى حرية وقتيه تنتهى بانتهاء حياتك من الأرض ، و خروج روحك من الجسد . و مع
هذا فأنت الوحيد الحر فى الكون كله لذا أنت الوحيد الذي تخطئ فى الكون كله ، لذا
أنت الوحيد الذي تتوب فى الكون كله راجع ( لو4 : 17 ، رو8 : 21 ، 1كو 10 : 28 ، 2
كو 3 : 17 ، غلا5 : 1 : 3 ، 1بط 2 : 16 ، 19 ) .
لو تأملنا إلى جمل كبير
يسوقه طفل صغير ، و إلى فيل ضخم يمتطيه أطفال فى سن غضه ، لرأينا السيد ( الطفل )
كما شاهدنا العبد و المملوك ( الحيوان ) و خضوع المملوك لمالكه ، نراه فى خضوع
الجمل و الفيل لطفل من عالم البشر أن الكون كله مصير و أنت الوحيد فى الكون مخير
فلا تستخدم الحرية فرصة للجسد ، و لا ترتبك بنير العبودية .
ثالثاً : و لأنك أنت
الوحيد الحر فى الكون كله ، فلأنه أنت الوحيد العاقل و بقية الكائنات تملك الغريزة
و لا تملك العقل :
أن لكل كائن مخا و
غرائز بما فى ذلك الإنسان ، فقد شاركت الكائنات بالمخ ، و بأربعة عشرة غريزة . و
لكن الغريب أن الكائنات الأخرى تسيرها الغرائز لا العقل الذي يحكم الإنسان و يسيره
فقد زاحمها فيما نملك و انفرد عنها بالعقل الذي لا تملك و رغم هذا فإننا كثيراً ما
نظلم الحيوان حين نصف الإنسان فى حالات ضعفه أنه يسلك كالحيوانات ، و حين نصف
غرائزه بأنها الغريزة البهيمية و شهوته بأنها الشهوة الحيوانية ، و ذلك لأن
الحيوان فى معظم غرائزه يكون أعف من الإنسان . فلا يأكل إذا كان شبعاناً ، و تمتنع
أنثاه عن مجانبة ذكرها إذ تحمل منه و لا يشرب إلا إذا كان حقاً ظمأناً .
شاهدت فيلماً علمياً
يحكى كيف يصطاد الإنسان الزرافه ، فمجموعة من الشباب تركب عربة خاصة و حمل حبالا
تلقيها بطريقة معينة فتلتف حول رقبتها فتقع بين أيديهم أسيرة ذليلة مستسلمة فيلقون
عليها الأيدى ، و بسجن حديدى متنقل يحبسونها و أمامها يقفون لالتقاط الصور
التذكارية . و لقد أعجبنى جداً تعليق المذيع الذي قدم هذا الحدث حين قال : انظر
كيف استطاع العقل أن ينتصر على القوة .
وقفت
مرة أمام صورة ميلاد المسيح ، فوجدت أن هناك اختلافاً كبيراً بين يوسف و رجل اليوم
، و مريم و امرأة اليوم فى الملبس و الأثاث و الإمكانيات الحضارية المتاحة . إلا
أنى لم أجد إختلافاً بين حيوان القرن الأول و حيوان القرن العشرين فحيوان الأمس هو
حيوان اليوم لا اختلاف فيه و لا خلاف عليه .
ذلك
لأن الحيوان يبدأ من حيث بدأ سابقه ، أما الإنسان فيبدأ من انتهى سابقه . ولقد ظن
البعض أن الدين ضد العقل , والعقل ضد الدين , إلا أن المصالحة التى وضعها
أوغسطينوس تحل المشكلة حين قال : الإيمان يسبق العقل والعقل يسبق الإيمان وأنى
أؤمن لكى أتعقل .
ولقد
مدح داود أبيجابل الكرملية زوجة نابال لأجل عقلها بقوله : مبارك عقلك ( 1 صم 25 :
32 ) وزم سليمان المرأة الجميلة العديمة العقل واصفا إياها بأنها خزامة عنه عقله (
دا 2 : 14 , 4 : 34 ) أما الرب يسوع فأحب الشاب الغنى لأنه أجابه بعقل وقال لست
بعيدا عن ملكوت الله ( مر 12 : 34 ) حتى العبادة
طالبنا أن تكون عقلية وبفهم ( رو 12 : 1 ) راجع ( تث 22 : 29 , مز 94 : 8 , هو 4 :
14 , ام 6 : 32 , جا 7 : 25 , رو 14 : 5 )
إن نظرة واحدة إلى
الأبدية . نخرج منها بهذه الحقيقة .
إن الأبرار سيشكرون
الله على أرواحهم التى خلدوا وعاشوا خالدين وذاقوا جمال السماء وهبة الخلود , أما
الأشرار إذ يوجدون فى سعير جهنم ونارها , سيحسدون الحيوانات على الفناء الذى ألوا
إليه وانتهوا فيه , ويتمنون لو أن لهم ذات المصير الذى لهذه الكائنات .
رابعاً : ولأنك أنت
الوحي العاقل فى الكون كله , فلأنك أنت الوحيد الذى توجد فى روح وبقية الكائنات
تمتلك النفس .
أنت كبقية كائنات الكون
تحيا بالنفس , ولكنك تنفرد عنها بالروح العاقل فالروح التى فيك محرومة بقية
الحيوانات منها , والنفس التى فيهم تشاركهم فيها وتزاحمهم . وهم إذ تخرج نفوسهم ,
يعودون إلى ترابهم مثلك تماما , فحادثة واحدة لكليكما , وإلى موضع وذهب كلاكما . (
جا 2 : 14 , 3 : 19 , 9 : 2 ) .
فالموت الذى يصيبهم
يصيبك , ونتاج الموت الذى يحدث لهم يحدث لك ولكنك بعد الموت لك خلود . اما هم بعد
الموت ففانون . إذن فالنفس البشرية هى علة حياة الإنسان , أما الروح الآدمية فهى
علة عقله وعلة خلوده . وهاتان السمتان لا توجدان فى كائن آخر أيا كان .
أنت واحد فى ثالوث ,
وثالوث فى واحد , إذا أنت بدن , ونفس وروح روحك هى علة عقلك لأنها نفخة العقل
الأعظم الله خالق السموات والأرض ما يرى وما لا يرى , فالعقل الذى فيك علته الروح
التى جبلها الله فى داخلك جاء فى المزمور قوله : ابن آدم تخرج روحه , فيعود
إلى ترابه حينئذٍ تهلك كافة أفكاره وجاء فى سفر الجامعة التراب يرجع إلى التراب
الذى أخذ منه أما الروح فتعود إلى الله الذى أعطاها . ( جا 12 : 7 , مز 146 : 4 )
.
فعالم الأرواح إذن هو
عالم أشترك فيه الإنسان مع الملائكة , الذين خلقهم الله أرواحا خادمة مرسلة للخدمة
لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص ( عب 1 : 14 مع عد 27 : 26 , مز 104 : 29 أم 16 : 2
) .
وكما اشترك الإنسان مع
الحيوان فى الجسم فى حياته الأرضية وتآلف معهم وعاش , يشارك الملائكة بروح فى
العالم الآتى بعد قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى .
لقد خلق الله الملائكة
أرواحا بلا جسد . وخلق الله الحيوانات أجسادا ذات نفوس بغير روح . أما الإنسان
فخلقه الله جسدا ذا نفس بروح عاقلة . فهو مثلث الخواص : جسد , نفس , روح .
وهذا ما قاله الرسول بولس فى رسالته للتسالونيكيين : إله السلام يقدسكم بالتمام
ولتحفظ نفوسكم وأجسادكم وأرواحكم ( 1 تس 5 : 23 ) .
خامسا ً: لذا فأنت
الوحيد فى الكون كله الذى سوف تدان , وبقية الكائنات لن تدان ولن تحاسب .
لأن الله لم يسع إلا
لخلاص الإنسان . لذا فلن يدين غير الإنسان . لن يحاسب . الدب الذى أكل أطفال أليشع
, ولن يجازى الأسد الذى افترس بلعام . ولن يدين الحصان الذى علق بالبطمة
ابشالوم , ولن يكافئ الأتان التى نطقت موبخة نبيا والتى رأت ما لم يره الناس ولن
يقتنص من الحيات التى لدغت شعبا بأكمله وقتلته , ولا من ذباب وبعوض أهلك أرض مصر ,
ولا من فئران ضربت قربة بيت شمس , لن يحاسب حيوانا ولن يدين حشرة ولن يجازى طيرا .
قد تفعل الحظر مشاركا
حيوانك فيها , ووقتئذٍ سوف تقف وحدك تدفع عنها الثمن أما هو فقد أفلته فناؤه وأنت
سقطت فى شركة أنت الوحيد المدان فى الكون كله , ورغم أن بقية الكائنات قد تشاركك
الخطأ وتترك لك الخطيئة , أن تدان على كليهما , أما هى فلا تدان على شئ منهما
فالدينونة للبشر فقط دون بقية الخلائق .
لذا احتلت فكرة
الدينونة كل صلواتنا الليتورجيا . ففى القداس الباسيلى نقول : ورسم يوما للمجازاة
هذا الذى يأتى ليدين المسكونة بالعدل ويعطى ويجازى كل واحد حسب أعماله وفى قداسنا
الأغريغورى نقول : أظهرت لى إعلان مجيئك هذا الذى تأتى فيه لتدين الأحياء والأموات
وتعطى كل واحد كأعماله . وفى قداسنا الكيرلسى نقول : وظهورك الثانى هذا الذى تأتى
فيه لتدين المسكونة بالعدل وتعطى وتجازى كل واحد وواحد كما عمله إن كان خيرا وإن
كان شرا . وفى كل هذه الصلوات وقلوب الحناجر صارخة مدوية إن كرحمتك ولا كخطايا .
فالله هو الديان ( مز
50 : 6 , 1 صم 24 : 15 ) ديان الأرض كلها ( مز 94 : 2 ) الذى يصنع عدلا ( تك 18 :
25 ) والإنسان سيقف وحيدا أمام الله مدانا ( لو 19 : 22 , دا 7 : 10 ) فى يوم
الدين ( مت 10 : 15 , 11 : 22 , 12 : 36 , 41 , مر 6 : 11 , لو 11 : 31 , 2 بط 2 :
9 , 3 : 7 , ايو 4 : 7 , 17 ) وكما لن يدان من غيره كذلك لن يدان غيره .
سادسا : ولأنك الوحيد
الذى ستدان , لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الذى سيقوم كى يدان :
الحيوانات والطيور
والنباتات إذا ماتت لا تقوم , أما أنت عزيزى تموت ثم تقوم , لأن لك قيامة بعد
الموت حيث ينتظرك يوم عظيم هو يوم الدينونة . فرغم أنك تموت كبقية الكائنات إلا أن
بقية الكائنات لن تقوم نظيرك لأن لا دينونة لها تنتظرها بالقيامة للبشر فقط ,
والقيامة لأجساد البشر دون أرواحهم لأن أرواحهم لم تمت . الذى مات فيهم أجسادهم .
حيث قال السيد المسيح
لمريم سيقوم أخوك , قالت له أنا أعلم أنه سيقوم فى اليوم الأخير , ولم تكن تدرى أن
القيامة قائمة قبالها لأن المسيح هو القيامة ( يو 11 ) .
فالإنسان والحيوان
يرقدان معا ( جا 12 : 7 ) ولكن لن يقوما معا فالقيامة للإنسان فقط لا لكليهما ,
أما الموت فاللإثنان .
وآنئذ لن يكون هناك
حيوانات وطيور ونباتات بل سيكون هناك عالم الأرواح كورة الأحياء إلى الأبد عالم
الملائكة .
سابعا : ولأنك تقوم بعد
الموت لذا فأنت الوحيد فى الكون كله الخالد . وأما بقية الكائنات والكائنين بالكون
مؤقتة وموقوتة :
كل ما تراه حولك و معك
فإن لا محالة باستثناء أنت الكائن الوحيد فيه الخالد بدأت رحلتك التى انطلقت فيها
من السماء مع الحيوانات ، و أخيرا ختمتها مع الملائكة ، بارا كنت أم شريرا ..
فالأبرار سيحيون فى الملكوت بعد الفردوس مع الملائكة الأبرار ، و الأشرار إبليس و
ملائكته .
لا نستطيع أن نطلق على
الإنسان مصطلح الأبدية ، لأن الأبدية إحدى صفات الله وحده ، و لكن يمكن أن نسمى
الإنسان بصفة الخلود . فالخلود هبه و منحه و هبها الله للمخلوقات العاقلة و منحها
لعالمى الأرواح : الملائكة و البشر فكما نزلت بجسدك ضيفاً على عالم الحيوان و
ترأست عليه و تملكت ، تنزل فى عالم الملائكة شريكاً لهم فى الملكوت . و هذا يتضح
من مقولتى يوم الدينونة :
تعالوا إلى يا مباركى
أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ( مت25 : 34 ) .
اذهبوا عنى يا ملاعين
إلى النار الأبدية المعدة لإبليس و ملائكته ( مت 25 : 41 ) .
إذن حياة الإنسان ليست
موقوته و مؤقته كنظيرة الحيوان و نظرائة فى بقية الكون ، لأنه يختتمها هنا لكى
يبتدئها هناك و ينهيها هنا كى يواصلها فى عالم آخر أكثر رحاباً وسعه و جمالا و
بهاء .
جاء فى كلمات رب المجد
يسوع " إن لم تكونوا أمناء فى ما هو للغير فمن يعطيكم ما هو لكم " (
لو16 : 12 ) و لقد أعتاد أن يأتمنوا الإنسان فى ما هو ليس له عندما يرونه أميناً
فيما له . و لكن كلام الرب يسوع هنا يقلب الموازين ، فإن وجدك الله أميناً فيما هو
للغير ( الأرض الحياة الحاضرة ، العالم المال ) يعطيك ما هى لك الملكوت الأبدية (
مت25 : 34 ) إذن فنحن غرباء فى أرض مررنا عليها و عبرنا فى رحلتنا التى نقطة
البداية و النهاية فيها واحدة و هى السماء .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق