السبت، 22 يونيو 2013

الانبا موسى والانسان تاج الخليقه كلها



 
عندما تجسد السيد المسيح له المجد ، ( يو1 :13 ) أخذ جسد إنسان ( 1تى3 : 16 ) ، صائراً فى الهيئة كالناس ( فى2 : 8 ) قدم بهذه الطبيعة الإنسانية التى أتحد بها . أعظم مثل للإنسان و كم ينبغى أن يكون .
و كقول القديس أثناسيوس الرسولى فى كتابة تجسد الكلمة ، و فى معرض حديثه عن الله الذي خلق الإنسان على صورته ( تك9 : 6 ) و مثاله قال : فإذا تلطخت الصورة بالأقذار و الأدران فيلزم إذن مجئ صاحب الصورة الأصلى ليصلح الصورة التى فسدت و يرجعها إلى أصلها الطبيعى .
لذلك فإن كنا نرى فى المسيح يسوع ، الله الظاهر فى الجسد ( رو9 : 1-5 ) فإننا نرى الإنسان أيضاً فى المسيح فهو كامل فى لاهوته يقدم لنا الله بغير نقصان ، و كامل أيضاً فى ناسوته يقدم لنا الإنسان فى أكمل كمال . إذن ففى المسيح و على هذه الصورة الجديدة على مرأى البشرية و مسامعها ، و التى مرت عشرات القرون قبلها لم ترها ، يبنى الإنسان الجديد لذا فلا غرابة أن داعى السيد " بكر كل خليقة " (رؤ1 : 5 ) أو " بداية خليقة الله " (رؤ3 : 14 ) فهو بكر الخليقة و رأسها و بدايتها و نهايتها ( رؤ21 : 6 ، 22 : 12 ، 1 : 8 ) من خلال هذا المعنى .
و هنا نتساءل كيف يكون الإنسان تاج الخليقة المنظور و ملكها .. و ذلك من خلال
الأسلوب الذي خلق الله به الإنسان ؟
أ‌-       عندما خلق الله بقية الخلائق ، لم يتكلف فى هذه الخلقة أكثر من كلمة نطقها ، و بهذا المنطوق تكون كل ما هو كائن .. فخلق الله النور بكلمة ( تك 1 : 3 ) و كذلك الشمس و القمر ( تك1 : 14 ) و خلق الله المياة بكلمة ( تك1 : 6 ) و فصلها عن بعضها البعض بكلمة ( تك 1 : 9 ) و خلق منها كل الزحافات ذات النفس الحية بكلمة ( تك1 : 20 ) و خلق الطير و الحيوان و الوحوش بمجرد كلمة نطقها ( تك1 : 2 ، 24 ) أما عندما خلق الله الإنسان استعان فى خلقته بتراب الأرض و ثراها (تك2 : 7 ، 3 : 19 و نفخ فى أنفه نسمة حياة فصار نفسا حية ( تك2 : 7 ) .
ب‌-    قيل بعد كل خلقه قام بها الله لكل مخلوق " و رأى الله ذلك أنه حسن " ( تك 1 ، 10 ، 12 ، 21 ، 35 ) و لكن عندما خلق الإنسان " رأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جداً " ( تك1 : 31 ) فبخلقة الإنسان أكتمل جمال كل خليقة خلقها الله .
ج- لم يخلق الله بعد خلقته للإنسان شيئاً آخر ، و ترك العالم يأنس بقوانينه الطبيعية التى وضعها الله فيه ، فكان ناموس الخليقة فيه التدرج الصاعد ، حتى أكتمل سموه بالإنسان تاج الخليقة ، الذي خلق بعدها ليكون سيداً لها ، و الذي جاء تالياً لها ليكون رأسا لجميعها ، لذلك عند خلقه الله للجلد و للشمس ، و للقمر و وحوش الأرض و الدواب استخدم الله تعبير ( عمل ) و لم يستخدم تعبير ( خلق الله ) ( تك1 : 7 ، 16 ، 25 ) ذلك لأن الله قام بعمل هذه أشياء أخرى سبق خلقها ( تك1 : 3 ) .
فالخلةة هى إيجاد من العدم ، أما العمل فهو إيجاد من خلقة . أما عندما خلق الله الإنسان استخدم التعبيرين معاً " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا .. فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ( تك1 : 26 ، 27 ) ذلك أن الإنسان كجسد مأخوذ من الأرض التى خلقها قبلاً ( تك1 : 1 ) و لكنه ككيان روحى عاقل مأخوذ من الله ( تك2 : 7) فهو المعمول و المخلوق معاً .
د- من أول تعامل بين الله و بين مخلوقه الإنسان ، تخاطب معه بأسلوب الجمع ، و لم يحدثه بأسلوب المفرد كواحد من مجموعة خلائق ، أو بأسلوب المثنى كما يقضى التحدث مع شخصين رجل و امرأة و لكننا نجد الله يقول لهذا الكائن " فخلق الله الإنسان ( بأسلوب المفرد ) على صورته الله خلقه بأسلوب المفرد أيضاً ) ذكراً و أنثى خلقهم ( هنا نجد نقطة التحول ليس من الفردانية للمثنى بل للجمع ) و باركهم الله و قال لهم أثمروا و أكثروا و أملأوا الأرض و أخضعوها و تسلطوا على سمك البحر و على طير السماء و على كل حيوان يدب على الأرض . و قال الله أنى أعطيتكم كل بقل يبرز برزاً على الأرض لكم يكون طعاماً " ( تك1 : 27 – 30 ) قيل هذا عن الإنسان قبل جبله ( تك2 : 7 ) فالله يتعامل مع الإنسان كبشرية أو يتخاطب مع آدم فى صورة الإنسانية الكاملة . لذا :
ذ- فالمسيحية محقه فى الاعتقاد بأن خطيئة آدم لم تضيره هو وحده ذلك لأنه تمثيل للبشرية كلها ، و إنما تعدته إلى كل نسله ( رو5 ) .
ه- عندما خلق الله حواء . لم يحتاج إلى أن يكرر ما صنعه مع آدم ( تك2 : 7 ) و لكنه جبلها من آدم و ذكر السفر خمسة أفعال لهذا الحدث العجيب " أوقع ، أخذ ، ملأ ، بنى ، أحضر " و ذلك فى قوله : فأوقع الرب الإله سباتاً على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه و ملأ مكانها لحماً و بنى الرب الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة و أحضرها إلى آدم
( تك2 : 21 ، 22 )  .
و- لقد أدى الله دوره كخالق فى بدء الخليقة ، أو قل قبل أن توجد خليقة ، و يذكر الكتاب المقدس هذه المقولة الجبارة " فاستراح الله من جميع أعماله الذي عمل الله خالقاً " ( تك2 : 3 ) و رسم الله أن تتكرر هذه الخلائق ، من خلال الناموس الطبيعى الذي وضعه فى كل منها ، لذلك لا يأخذ الإنسان جسده من أبيه و أمه و يأخذ نفسه أو روحه من مصدر آخر ، إنما يأخذ الكيان الإنسانى كله من مصدر واحد الا و هو الأب و الأم حسب القانون الخلقى الطبيعى الذي حدده " أثمروا و أكثروا و أملأوا الأرض " ( تك1 : 28 ) ذكر نفس الكلمات على مسامع نوح و بنيه الثلاثة ( تك9 : 1 ) فبحسب هذا الأمر الصادر يتسنى للإنسان التوالد من الإنسان بالكيان الإنسانى الكامل دون أدنى نقصان ، و من غير أى زيادة . و نفس هذه الكلمات تكررت فى مسامع المخلوقات الأخرى غير العاقلة " و قال الله اتنبت الأرض عشباً و بقلاً يبرز برزاً و شجراً ذا ثمر يعمل ثمر كجنسه بذره فيه على الأرض " ( تك 1 : 11 – 13 ) " فخلق الله التنانين و كل ذوات الأنفس الحية و كل طائر .. و باركها الله قائلاً أثمرى و أكثرى و أملائ المياة فى البحار و ليكثر الطير على الأرض "
( تك 1 : 21 ، 22 ) .
ز- يتضح من كلمات الوحى الإلهى مدى سلطان الإنسان على كل ما فى الكون أيضاً ذلك لأنه تاج الخليقة و ملكها . قال الله مخاطباً الإنسان " أثمروا و أكثروا و أملأوا الأرض "
( تك2 : 28 ) .
فالإنسان هدف و الأرض وسيلة و خادم و قال : " و أخضعوها و تسلطوا على سمك البحر و على طير السماء و على كل حيوان يدب على الأرض " ( تك2 : 28 ) و كرر نفس الكلمات و على مسامع نوح و بنيه الثلاثة " لتكن رهبتكم و خشيتكم على كل .. "
( تك 9 : 2 ) هذا الكلام يعنى أنه لو تمردت عليكم الأرض أخضعوها و لو أبت أرغموها و لو تكبرت أذلوها فالإنسان وحده يحول صفراء الأرض إلى سودائها ، و يغير فى مجرى مياهها ، و يكثف فى ملوحته ، و يضاعف من عطائها بما يصل إليه من علم و بحث و دراسة فشواهق جبالها قد وضعت لا لننقيها بل لنرتقيها .. و قوله تسلطوا على .. و على .. .. و على .. هذا يدل على سلطة الإنسان عما يساويه ، و عما يفوقه و عما يدانية فى الكون كله . فله سلطة على سمك يطأه ، و طير يحلق فوقه ، و حيوان يشاركه حياة الأرض و لعله إلى هذا السبب قدام الله الخليقة كلها للإنسان كى يطلق على كل منها ما شاء من أسماء .
ح- تحدث الله مع الأنسان فى خلقته فقال " أنى أعطيتكم كل بقل .. و كل شجر لكم يكون طعاماً .. و لكل حيوان الأرض أعطيت كل عشب أخضر طعاماً " ( تك1 : 29 ، 30 ) ثم قال الله لنوح الأب الثانى للجنس البشرى كله بعد آدم " كل دابة حيه تكون لكم طعاماً كالعشب الأخضر دفعت لكم الجميع غير أن لحماً بحياته دمه لا تأكلوه " ( تك9 : 3 ، 4 ) لماذا لم يتحدث الله فى باقى احتياجات الإنسان ؟ أن الإنسان يحتاج إلى الهواء أكثر من احتياجه إلى كليهما . لذا لم يملكالله الهواء لأحد ، و لم يجعل الله الإنسان يدفع عرق الجبين مقابلاً نظيره .
ط- أن هناك أمورا جديدة ظهرت فى قاموس الإنسان ، و لم نسمع عنها من قبل مثل : الشوك و الحسك ( تك 3 : 18 ) و الموت ( تك 3 : 19 مع تك 2 : 17 ، 3 : 4 ) فلم يخلق الله شوكاً و حسكاً يوم أن خلق جميع النباتات فى اليوم الثالث (تك1 : 12 – 14 ) و لكنه خلق بعدئذ إذ عاشت الأرض بدونه مدة طويلة من الزمان كنتيجة من نتائج دخول الخطية إلى الكيان البشرى أما الموت فقد دخل إلى العالم بحسد إبليس و إذ يقضى على الإنسان فى حياته المعاصرة و يوقف خلوده لذا رأى الله أن يعطيه هذا الخلود بعد تصفية كاملة لجسد هذا الموت ، بالموت ، و من ثم بالقيامة أيضاً التى فيها تتغير هذه الأجساد و تتجمد . فالموت شئ يصيب الجسد فقط و لا يقترب من الروح ، لذا فالقيامة هى قيامة للأجساد و ليست قيامة للأرواح التى لم تمت قبل ذلك فأيهما يكلف الرب أكثر ؟ : خلقه من تراب الأرض الذي كان عدما .
ظ- حيث لم يكن الإنسان شيئاً ، أم إعادة الإنسان إلى الوجود بعد أن صار شيئاً ، و إن كان قد تناثر أو ذاب فى أشياء أخرى . لذا فأمال الكنيسة فى القيامة أنها تجديد للخليقة و بداية لخليقة جديدة و بأسلوب آخر كان الله يود أن تكون الأرض عليه يوم خلق الله الإنسان و لم يساعده الإنسان فى تحقيق ما يربو إليه ، و لم يحقق الإنسان لله أمانته التى كان الله يريد تحقيقها فلا غرابة أن كان كتابنا المقدس يسخر من الموت و يدعوه نوماً ، و كنيستنا تلقيه رقاداً و تسميه انتقالا فالقيامة هى جعلت من الموت نوماً و رقاداً و اضطجاعاً و هجعه .
أن هناك من يموتون أجنة فى بطون أمهاتهم ، و هم بهذا خرجوا من الحياة قبل أن يدخلوها ، و هناك من يحيون أعمار طوال ، و أكبر الناس عمراً " متوشالح " كان يحمل إسم الموت فى أسمه ، فكان أسمه يعنى " محب الموت " و هؤلاء يختمون حياتهم عكس ما ابتداؤها و ينتهى بهم المآل إلى الفراش  الذي رقدوا عليه رضعاً بلا أدنى حراك .
ى- لأول مرة فى خلقة الإنسان نسمع تعبيراً جديداً " و جبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض .. و وضع هناك – فى الفردوس – آدم الذي جبله " ( تك 2 : 7 ، 8 ) فقد سمعنا كلمة خلق ، عمل ، فصل ، قال ، رأى ، جعل ، بارك الله .. الخ أما كلمة جبل تعنى خلقة الإنسان من عنصر خالد ألا و هو الله ، و عناصر قابلة للانحلال أى الأرض ( تك2 : 7 ) و حينئذ أضحى فى الإنسان شيئان .. فبه العقل ، و فيه المادة .. فيه الروح و فيه الجسد فيه الطبيعة الملائكية بروحه و الحيوانية بجسده فيه الخير و فيه الشر فيه الحب و فيه الكراهية .. الخ . فيه كل الطاقات رغم أن كل البشر الموجودين فى حياتنا الحاضرة قد تناسلوا من شيت البار الأبن الثالث لآدم .
لم يأمر الله الطبيعة أن تأتيه بآدم مثلما أمرها أن تأتيه ببقية المخلوقات ، فلم يأتمن على خلقته شيئاً ، إنما خلقه بيده مستعيناً بمعطيات الطبيعة التى سبق أن أودعها إياها و لم يخلقه من العدم كخلقته للطيور ، و أن كان الذي جبل منه الإنسان كان أولاً عدما و لم يخلق بعده و أن كان قد خلق كل الخليقة قبله " و أكملت السموات و الأرض و كل جندها (تك 2 : 1) لذا نرى فى الإنسان هذه الازدواجية فى كل حياته .
أنت لا تأمن إلى إنسان إلا فى مرحاتى الطفولة و الكهولة ، و ما بينهما تخافه و تخاف منه بسبب أنه فى المرحلة الأولى لا يكون العالم قد طبع بصماته عليه ، و فى الأخيره يكون قد تخلص من أكثرها ، و ما الكهولة إلا طفولة متأخرة فى حياة الإنسان
قال أحد الأدباء : ينزل الإنسان إلى الأرض و قد بلغ طوله 50سم أو أقل يغادر العالم و قد صار طوله 150سم أو يزيد .. كل هذا الصراع الذي يحياه فى العالم من أجل متر واحد يضاف إلى قامة جسده .
إن حياة الإنسان فى الدهرين الحاضر و الآتى تمر فى مراحل ثلاثة : مرحلة عاشها روح فى جسد و هى مرحلة الحياة الحاضرة ، و مرحلة ثانية عاشها جسد بلا روح و روح بلا جسد و هى مرحلة الحياة الأخرى ، أما المرحلة الثالثة فيحياها روح فى جسد نورانى ممجد . و هذه هى الحياة الأخرى .
أن الزمن مع الإنسان يحاكيه ليريه الموت و الخلود ، فالنهار يبدأ طفلاً رقيقاً نسميه عليل ، ثم يشتد عود عند الظهيرة فيصير شاباً يافعاً ، أم فى وقت الضحى فيضحى النهار رجلاً ناضراً مكتملاً ، و لكنه لا يلبث أن يشيخ فى . الغروب و يصيبه الكهول و العجز ، ثم يغيب فى المساء ليعود من جديد بصورة ناضرة غير تلك التى اختتم بها .
أن الأبله و المتخلف قد توقف وجودهما فى الحياة و أن كان لم تتوقف حياتهما فهما يحيان فى الحياة كمستهلك و ليس كمنتج فلا تستطيع أن تضيف عليه الكثير .. مثل هذا دخل و خرج إلى زمن الحياة و أبوابه مغلقة .
أن الإنسان من يوم أن يولد و حتى اليوم الذي فيه يموت ، يقضى ما يزيد عن ثلث عمره نائماً ، إلا أن روجه العاقلة الخالدة لا تنام و أمورا أخرى فى جسمه مثل عقله و قلبه و باقى من أجهزته . فالنوم فى الإنسان للجسد أو لبعض منه و لكن لا تستفيد منه الروح المخلوقة على صورة الله الذي وصف بأنه لا ينعس و لا يغفل و لا ينام .
هذا الكائن العظيم الذي يقوى عما هو أعظم منه ، و ينتصر عما يتفوقه ، إلا أن أقل الكائنات حجماً ينتصر عليه و يهزمه و يذله ، و يضحى عاجزا أمام جرثومة أو ميكروب لا تراه عين مجرة . فلا تبصر بدون مكبر .
الارتقاء و التطور و البحث عن الكمال :
الله هو أمس و اليوم و إلى الأبد ( عب13 : 8 ) سواء على مستوى الزمن الماضى (أمس) أو الحاضر ( اليوم ) أو المستقبل القريب و البعيد ( إلى الأبد ) ، إذا ليس الله يحد الزمن .
فالله ليس له ماضى ، و لا يترقب مستقبلاً ، إنما الله – الحياة – يحيا فى حاضر متصل ليس له صيف و شتاء و خريف إنما الله – السرمدى – يحيا فى ربيع دائم ليس لله شروق و غروب إنما الله – النور يحيا فى شروق مستمر كما أنه ليس له طفولة و كهوله ذلك لأنه ليس للأيام أن تؤثر فيه ، و لا للشيخوخة أن تهاجمه ، و لا للأزمنه أن تعترية .
إذن ليس لله تطور و ارتقاء ، فالله الذي عاصر الإنسان الأول هو هو بذاته إله هذا القرن ، و إله كل الدهور ، و إلى الأبد . و كما أنه ليست هناك معرفة تضاف إليه ، كذلك ليست هناك أيام تزاد على سنيه ، و ليست هناك قامة تعلو فوق قامته . الله لا يخضع للتطور .. بمعنى أنه لا زيادة تلحق به ، و لا نقصاً يؤثر فيه .
حتى الدين أيضاً لا يخضع للتطور ، فالمسيحية التى استلمها بطرس و بولس هى التى يعيشها المسيحيون الآن ، رب تطور يكون فى الأداء و الأسلوب و ليس فى المعتقد و الفكر ، فالسفينة التى أقلت بولس ليست كالطائرات و وسائل النقل الموجودة فى عالمنا هذا ، و إدخال الاكتشافات الحديثة صوتية و مرئية و مسموعة إلى عالم الدين إنما هو نموذج عن استفادة الدين من التطور الذي حققه الإنسان ، بل و غالباً ما يكون مرجع كل هذه الاكتشافات و الاختراعات إلى حفنة من رجال الدين و الرهبنة .
أما الإنسان فدائم التطور ، دائم الارتقاء ...
فإنسان القرن العشرين عصر الذرة و الإلكترونيات ، يتفوق عن إنسان عصر الكهرباء ، و هذا يسمو عن إنسان عصر البترول ، و ذلك يسمو عن إنسان العصر الحجرى .. أن ما عد ارتقاء و تطور فى عصر حسب بديهيا فيما بعده ، و مع هذا فنحن ندين بالفضل الكبير لكل من وضع لبنة فى جدار تطور الإنسان .
و أصبح الآن يخشى على الإنسان من ديمومة التطور و النمو و الارتقاء ، إذ لأنه لا يجد شيئاً لم يتوصل إليه ، ، يحاول الآن أن يدمر نفسه بنفسه تحت قناع التحضر و الارتقاء و التطور و النمو و التمدين .. بحيث أصبح لا يخشى على الإنسان إلا من الإنسان ، ذلك لآن " كل طبع للوحوش و الطيور و الزحافات و البحريات يذلل و قد تذلل للطبع البشرى " ( يع 3 : 7 ) .
* علم معرفتك :
هذا النمو و ذلك التطور استفاد منه الإنسان فى معرفة الله ، فبينما كان يعبد ألهه متعددة متباينة و مختلفة ، اقتصر الأمر على عبادة أسرة مكونه من ثلاثة ألهه فيهم الأم و الأب و الابن ، (إيزيس و حورس و أوزوريس ) ، ثم ابتكر عبادة ألهين لكل منهما تخصصه و اختصاصاته فهذا النور و الخير و الحياة و الحب ، و ذلك للظلمة و الشر و الموت و الكراهية . أطلق على أحدهما ارموزد ، و الآخر اهريمان .. ثم هداه فكره إلى أن الله لا يمكن إلا و أن يكون واحدا فنادى بالشمس المعبود الأعظم و الأوحد و لقب كل الشعب باسمه (رع) و يرجع الفضل فى هذا للملك (إخناتون)  فى وسط صعيد مصر (تل العمارنة) . حتى جاء الوحى الذي كان أصدق من عبر عن الله ، ليهدى الإنسان بعد ما أضله فكره و أتاهه عقله .
إذن فليس التطور لدى الإنسان مقتصراً على ما فى الكون من أسرار استطاع اكتشاف بعضها و استثمارها ، إنما التطور أيضاً لديه حتى فيما يخص معرفة الله إذ غابت هذه الصورة البهية وسط دياجير الوثنية .
لأنه ليس لها قيامة .
و ليس لها عالم آخر أو حياة آخره
إذ ليس فيها روحاً .
أن عين الحيوان و نظره قد يكون أكبر من الإنسان ، و قد يضرب المثل بصبر الجمل و وفاء الكلب و إيثار الحمل و جلد الأتان و طاعة كل هذه بلا فحص و لا معارض .. و رغم كل هذه المعطيات فهى لا تتفوق على الإنسان .
أن الغزال قد يحس بوقوع الزلازل قبل أن تهتز له فرائس الإنسان و لكن رؤية الغزال للإنسان مخيفة له لذا تراه يعدو هارباً من أمام الإنسان مطارده .
و لولا الإنسان لانقرض الحيوان و انتهى من عالم الوجود ، فهو الذي يحافظ بقاء نوعه .. و الكائنات التى انقرضت فى غيبة الإنسان أو انشغاله و لم يستفد منها إبان وجودها ، استثمر أجسامها بعد موتها و استخرج من هذه الجثث البالية البترول الذي يعتبر شيئاً أساسياً فى حياته .
لقد ربط الإنسان العالم كله بشبكة واحدة تنقل عبر أثيرها بين جوانبه الشاسعة الواسعة .
لقد استطاع الإنسان أن ينظم مملكته و مملكة الحيوان : فالأسد و إن دعى ملك الغابة فإن قوته و بطشه و شراهته و شراسته هى التى فرضت عليه و على الغابة كلها ملوكيته .. أما الإنسان و إن دعى ملك الكائنات و ملك الخليقة فإن عقله هو الذي فرض على الخليقة ذلك .
و أن كان الإنسان قد صنع العقل الإلكترونى ( COMPUTER ) الذي فى مقدوره أن
ينتج أضعاف ما ينتجه العقل البشرى ، لكنه مدين فى الفضل لوجوده لعق الإنسان لأنه أوجده و اخترعه ، و لأنه لا يستطيع أن يعمل بدونه ، فى حين أن للعقل البشرى أن يعمل من غير الالتجاء لمعونة العقول الإلكترونية .
أن التطور فى عالم الحيوان ، هو نمو فى جسمه ، فهو ازدياد يضاف إلى ثقله و وزنه ، أو كبر يضاف إلى طوله و عرضه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق