الخميس، 20 يونيو 2013

انطلق من ذاتك



 أنك تعرف بلا شك أن حديثك عن {فضائلك} يضيع عليك أجرك. ولست أشك أنك قرأت العظة علي الجبل وسمعت فيها {لا تعرف شمالك ما تفعله يمينك} {فأبوك الذي يري في الخفاء هو يجازيك علانية}.. أنني مشفق عليك يا أخي الحبيب، تجاهد طويلا في سبيل فضيلة معينة، وفي لحظة طيش، من لحظات البر الذاتي اللعين، يأتي الشيطان ويسلب كل جهادك منك، فإذا تعبك كله قد ضاع باطلًا.
كلما أراك تتحدث عن نفسك، يخيل إلي أنك شخص زرعت زرعا، فلما أنماه الله وأتي ثمره، بدلا من أن تحصده وتفرح به أشعلت فيه النار، أو تركت الشيطان يحصده نيابة عنك! يا صديقي العزيز، كلما أحسست رغبة في التحدث عن نفسك، دع ذلك القول الإلهي يرِن في أذنيك {الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم} {مت2:6}.
4) هناك ضرر آخر من حديثك عن نفسك ربما توضحه لك الحادثة الآتية: كنت في أحدي المناسبات أتكلم في حماسة وإعجاب عن شخص مبارك أحبه وأقدره، فقاطعني أحد أساتذتي الروحيين قائلا: "أرجوك، لا تكمل هذا الكلام. أنك بهذا الحديث تجمع الشياطين حوله لتحاربه. أتركه يعمل في هدوء. أنه ما يزال مبتدئا وفي حاجة إلي صلوات كثيرة". فسكتّ وقد شعرت فعلا أنني أخطأت في حق هذا الإنسان. الشياطين لا تطيق أن تسمع عن أعمال طيبة لإنسان. أن أتخذك الله وسيلة لعمل مَجيد، فليكن ذلك سرا بينك وبين الله. لا تتحدث عن هذا العمل لئلا تتعرض لحسد الشياطين وقتالهم. ولا يضيع أجرك فحسب، وأنما قد تتعرض لحرب قاسية لا تعرف نتائجها.
5) أرأيت إذن بعضا من الضرر الذي يحيق بمن يتحدث عن نفسه؟ أتستطيع أن تدلني – في مقابل ذلك – عن فائدة واحدة تجنبها من مديحك لذاتك؟ لست أقصد تلك النزوة الحسية الخاطئة التي يشعر بها كل من يلمح نظرات الأعجاب موجهة إليه. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و الكتب الأخرى). فهذه في حد ذاتها خطيئة تحتاج إلي علاج!!
هناك فائدة حقيقية أعرضها عليك: أن ألح عليك الحديث عن نفسك إلحاحًا لم تستطع له مقاومة، فحدث الناس عن ضعفك وعجزك، حدثهم عن نفسك الساقطة التي لولا معونة الله لأشبهت أهل سدوم، واطلب إليهم بإلحاح أن يصلوا من أجلك حتى يفتقدك الله برحمته.
6) كلمة صريحة أخري. ترددت طويلا قبل أن أهمس بها في أذنك، وهي أنه حتى الناس أنفسهم يشمئزون أحيانا ممن يتحدث كثيرًا عن نفسه. أنهم يسمونه أحيانا {المنتفخ} أو {المغرور}. وهكذا لا يكسب مثل هذا المادح لذاته سماءًا ولا أرضًا.
7) أخيرًا فإن تلك الأعمال التي تحاربك بالبر الذاتي ليست كلها من صنعك: هناك الظروف المحيطة، والدور الذي قام به الآخرون، والإمكانيات التي منحت لك من فوق. إنها تكون مبالغة بلا شك أن تنسب كل هذا إلى نفسك فقط ناسيا عمل الله فيك.
أتراني ضايقتك بصراحتي يا أخي الحبيب؟ سامح ضعفي مصليًا من أجلي.
من كنوز سيدنا وراعينا وشفيعنا وحبيبنا البابا شنوده الثالث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق