- الضحك عند الطفل
الطفل يحب ما يضحكه. وقد يضحك لغير سبب ندركه.
طبعاً، قد يكون هناك سبب، يتفق مع عقليته كطفل.. أو شئ غريب غير مألوف يضحكه، أو منظر معين، أو حركة معينة، أو كلمة متكررة أو ملحنة، أو لعبة تفرحه..
بالضحك قد يعبر عن سروره أو عن رضاه.
أو عن تآلفه مع شخص معين يستريح له، فيضحك في وجه أو يبتسم. أو تداعبه فيضحك. وهو يسر بالإنسان الضحوك، الذى يكون سبب في ضحكه..
8- الحركة عند الطفل
من طبيعة الطفل أنه دائم الحركة.. له طاقة يستخدمها في الحركة. ولا نستطيع أن نجلسه في مكان ما، وهو مكتوف اليدين وصامت.. لا يتكلم ولا يتحرك..!! فإننا إن لم نوجد له مجالاً سليماً للحركة، سيتحرك بطريقة قد نراها مزعجة. وحينئذ يقابل منا بالأنتهار أو العقاب. بينما لا يكون العيب فيه وإنما فينا. قد يستريح الأطفال مع مدرس مدارس الأحد الذي يعملهم ترتيله ملحنة مع الحركة. أو أثناء الدرس. يسألهم أسئلة ليجيبوا. فيرفع أحدهم يده، ويقف أحدهم ليجيب. وينشغلون في قيام وقعود فى جو هذا الحوار أو التسميع أو السؤال والجواب، تحت إشراف المدرس، بطريقة شرعية لا خطأ فيها.. والطفل المحب للحركة، قد لا يستطيع أن يبقى في الكنيسة ساعتين أو ثلاثة أثناء القدس الإلهي بدون حركة. بينما الطفل الابصلتس الذى يلبس تونيه ويخدم في القداس، يجد نفسه يتحرك مع الأب الكاهن في خدمته، سواء فى الهيكل. أو يمسك شمعة أثناء قراءة الإنجيل. ويركع ويسجد ويقف أثناء الصلاة ونشغل طاقاته..
أتذكر أن أسرة زارتنى في مكتبتى بالقاهرة.
وكان معهم طفل. ووجد أن المكتب واسع، فأخذ يجرى ويلعب فيه. فانتهرته أمه وقالت له "تعال يا ولد، اقعد ساكت، وبطل جرى. سيدنا هايزعل منك". ولكننى قلت له "ألعب يا حبيبى على كيفك". واطمئن الطفل وأكمل جريه في المكتب، إلى أن تعب من الحركة، فجلس هادئاً.. لا تطلب من الطفل أن يجلس جامداً بلا حركة، فهذا ضد طبيعته. ولا تقهره على ذلك بالأنتهار أو الضرب أو التهديد.. وإلا فإنه سوف يتعقد من السلطة واستخدامها، ويشهتى أن يتخلص منها. ومتى أوتى الفرصة، ربما يتصرف خاطئة جداً
لا تطالب الطفل بأن يتصرف كالكبار.
تذكر قول القديس بولس الرسول "لما كنت طفلاً، كطفل كنت أتكلم، وكطفل كنت أفطن. ولكن لما صرت رجلاً أبطلت ما للطفل" (1كو13: 11). فلا تطلب من الطفل أن تكون له تصرفات لا تتفق مع سنه، ولا نضوجاً فوق مستواه.
9- الصوت العالي عند الطفل
طبيعة الطفل، علو الصوت، لأن حنجرته بكر لم تجهد بعد.
ومن الصعب أن يتكلم في صوت خافت هامس. وكثيراً ما ننتهره لعلو صوته، إن أزعج هذا الصوت غيره.. وطفل الحضانة، إذ ليست له الألفاظ التى يعبر بها عما يريد، فإنه يستخدم الصياح أو البكاء كوسيلة للتعبير. فيتضايق الناس منه، وبخاصة لو كان ذلك في الكنيسة، وأثناء القداس الإلهي، وفى خشوع الصلاة، أو أثناء الصمت في الاستماع إلى العظة.
لذلك في بعض كنائس المهجر توجد فكرة الحجرة الزجاجية Glass Room.
وأحياناً يسمونها Crying Room إن كان هدفها التخلص من بكاء وصياح الأطفال.. هذه الحجرة تجلس فيها الأمهات مع أطفالهن أثناء القداس والصوت يصل إليهن عن طريق السماعات Louder Speakers كما يرون كل شئ من خلال الزجاج. ولكن صوت الأطفال وبكاؤهم وصياحهم، لا يصل إلى الخارج ولا يزعج المصلين. لأن الحجرة الزجاجية محكمة بطريقة لا يخرج منها صوت.
وهناك وسيلة أخرى اختبرناها فى الستينيات.
كنت في ذلك الوقت، أعظ كل يوم جمعة في اجتماع كبير في القاعة المرقسية بالقاهرة. وكانت تحضره بعض العائلات مع الأطفال طبعاً. وقد تطوع أحد الأخوة الأحباء من الخدام، أن يجمع الأطفال كلهم معه، في فصل مدارس أحد خارج القاعة، ويعطيهم درساً، وبعض تراتيل وحكايات. وهكذا يشغلهم أثناء العظة في درس مدارس الأحد، ينتظمون فيه ويهدأون ويستفيدون..
10- الصلاة بالنسبة للطفل
ينبغى أن نعلم اطفالنا الصلاة، ونقدم لهم القدوة فيها.
نعلمهم الركوع والسجود ورفع اليدين. ونعطيهم صلوات محظوظة لكي يرددوها، مادام ذهنهم لم يصل بعد إلى المستوى الذى يتكلم فيه من ذاته. ومبدأ الصلوات المحفوظة قدمه الرب حتى للكبار، حينما قال لهم:
"متى صليتم، فقولوا: أبانا الذى في السموات.." (لو11: 2). بل مبدأ الصلوات المحفوظة علمه لنا الكتاب باستخدام المزمور فقال " متي اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم..".
وكان الشعب يصلون مزامير المصاعد، وهم صاعدون إلى الهيكل للصلاة.
فإن كان الكبار يستخدمون الصلوات المحفوظة، فكم بالحرى الأطفال..
إن الصلوات العائلية، لها تأثيرها في نفس الطفل.
ورؤيته الكبار يصلون، تعطيه أمثولة طيبة يقتدى بها. كذلك وجود مكان في البيت للصلاة، وفيه أيقونة وصليب ومسرجة (أو نور كهربائي)…
كل ذلك يشجعه هو أيضاً على الصلاة. كذلك تعليمه حينما يكبر، أن نلجأ كلنا إلى الله بالصلاة لاستجابة طلباتنا، ولحل مشاكلنا، ولشفاء أمراضنا..
11- الخيال عند الطفل
الطفل له خيال واسع، يستطيع أن يؤلف به قصصاً، ويتصور أخباراً لم تحدث، ويصدقها ويرويها..
فلا تقل له عن خياله إنه كذاب!
إنه لا يقصد الكذب، وإنما يروى خياله كأنه حقيقة. يمكنك أن تسرح معه، وتروى نهاية القصة.. أو تصحح مسارها في الطريق. وسيقبل منك هذا التصحيح.. ويعتبر أنكما مشتركان معاً في تأليف القصة..! حدث في إحدى المرات، منذ حوالى خمسين عاماً، أن كبيراً كان يقرأ على لمبة جاز، لأن الكهرباء لم تكن قد وصلت إلى ذلك البيت بعد. وكان إلى جواره طفل يلعب ويحدث ضوضاء، ويعطل عليه القراءة. فقال للطفل منذراً مداعباً:
- ماذا تفعل لو أنى وضعتك داخل زجاجة اللمبة هذه؟! فابتسم الطفل أيضاً مداعباً:
- أطلع اتشعبط على الشريط!! (شريط اللمبة).
12- الحركة واللحن عند الطفل
* الطفل يحب الحركة. ولذلك فيما يحفظونه من أناشيد، تعجبهم إن كانت مزودة بحركات.
تجد الطفل يحفظها ويؤديها بمهارة أكثر، إن كانت يداه تتحركان أثناءها بحركات تمثلية أو توضيحية، تعبر عن معانى الكلمات. وربما معها حركات من رأسه أو ملامحة أو حركات من جسمه كله. تسره هذه الحركات، بالإضافة إلى تتفق مع تصريف طافته المختزنة. والخادم الذى يستخدم طريقة الحركات مع أطفاله في مدارس الأحد، يغنيهم عن الحركات الخاطئة التى يضايقون بها بعضهم بعضاً في شغب.
بالأضافة إلى أن المعلومات التى تشترك فيها أكثر من حاسة، تكون أكثر ثباتاً.
* كذلك يحب الأطفال العبارات الملحنة.
وبهذا استطاع بعض المدرسين أن يمكنوهم من حفظ أسماء اسفار الكتاب المقدس كلها في كلمات ملحنة. وكذلك حروف اللغة القبطية.
إنها فرصة أن يحفظوا بعض الألحان والترانيم.
وبالنسبة إلى الأطفال، استطاعوا أن يتعرفوا على بعض الأمور الكنسية عن طريق التراتيل مثل:
دقى يا أجراس وادعى كل الناس
لحضور القداس دقى يا أجراس
وكذلك مثل الترتيلة الخاصة بصلاة القنديل:
كنت مريض وهزيل وعملنا قنديل
ومادام الطفل يحب الغناء، فإن لم نشبع فيه هذه الرغبة كنسياً، ربما يجد الأشباع في أغانى العالم وأناشيده.
وعلاج ذلك كثرة الترانيم، والدروس الملحنة. وإن كان ذلك مصحوباً بحركات، يصل الطفل إلى درجة كبيرة من المتعة في سماع الدرس وحفظه.
13- الطفل يكره التطويل ويحب التكرار
إنه لا يستطيع أن يركز في الكلام الطويل.
فإن فعلت ذلك، ينصرف عنك وينشغل بشيء آخر!! لأنه يحب الأشياء المختصرة، التى يمكنه أن يلتقطها بسرعة، ويفهمها بسرعة.. فإن اضطررت إلى قصة طويلة، حاول أن تجزئها إلى أجزاء، كأنها مجموعة من قصص قصيرة، كل منها قائم بذاته.. فالطول يجلب للطفل الملل.
كذلك يحب الطفل العبارات المكررة.
فكلما أسمعته حكاية، وفيها عبارة تتكرر بين الحين والآخر، كالقرار في الترتيلة – تراه يلتفت إلى هذه العبارة، وهو يقولها من فرط متعته بالتكرار..إنها بالنسبة إليه كنوع الRythme.
14- التقليد عند الطفل
الطفل في مرحلة الحضانة، وفى المرحلة الابتدائية أيضاً مغرم بالتقليد. فهو يقلد الحركات، حركة اليدين، وحركة الرأس، بطريقة المشى، بل حركات الملامح أيضاً. وكذلك يقلد طريقة الصوت والألفاظ. يحاول أن يمتص الشخصيات التى أمامه ويحاكيها.
فعلى مدرس التربية الكنسية أن يكون حريصاً، وكذلك أفراد أسرة الطفل، لئلا يقلد منهم شيئاً خاطئاً.
فإن وجدت الأم أن طفلها يلفظ لفظة غربية، أو يأتى بحركة غريبة، فلتعلم أنه لابد قد التقطها من غيرة.. ولتبحث من هو هذا الغير؟ ربما من الجيران، أو من الضيوف، أو أحد أفراد الأسرة، أو من التلفزيون.
وهنا لابد من المحافظة على سلامة بيئة الطفل بقدر الإمكان.
وقبل ان بترك الطفل البيت حينما يكبر، لكي يختلط بعالم أوسع، علينا أن نغرس فيه مبادئ سليمة، بحيث يرفض تلقائياً ما يراه أو يسمعه مما يجده مضاداً لها.
وإن أخطأ لا نوبخه بكلمة خاطئة، لئلا يلتقط هذه الكلمة ويخاطب بها غيره.
وهنا نجد خطورة الخلافات التى تنشأ بين الزوجين، وما يتبادلانه من ألفاظ وتصرفات خاطئة أمام أطفالهما. فإما أن يلتقط الأطفال هذا الأسلوب ويستخدموه، أو أن تسقط في نظرهم المثاليات الخاصة بالأبوين كمصدر من مصادر التعليم لهم..
أحياناً يتحدث الكبار أمام الصغار، ويظنون أنهم لا يفهمون!!
إن كان الطفل الرضيع لا يفهم، فإن الطفل الذى بدأ يتكلم، لاشك أن دائرة الفهم عنده تتسع يوماً بعد يوم. وحتى إن كان لا يفهم كل الكلام الذى يسمعه، فإنه يفهم من الملامح ومن حدة الصوت مثلاً، ويستنتج. وقد يقلد ما يسمعه أو ما يراه، حتى بدون فهم.
ليس الفهم مهماً عنده، وإنما المنظر..
الطفل يقلد أمه في كل ما تفعل.. تدخل به إلى الكنيسة، وتقف لتصلى وترشم الصليب، يرشم الصليب مثلها. إن ركعت أمام الهيكل، يركع مثلها تماماً.. تسلم على الأب الكاهن وتقبل يده، هكذا يفعل طفلها ويقبل يد الأب الكاهن. إنه يقلد أمه، وكذلك يقلد أباه إن دخل معه.
فإن كان الأبوان متدينين، سيلتقط الطفل تدينهما. من هنا كان الزواج مسئولية، ليس مجرد علاقة بين زوجين.
إنه رسالة تربوية روحية نحو ما ينتجه الزواج من أطفال، سواء من جهة التعليم أو القوة الصالحة. لذلك ينبغى أن يكون المتقدمون إلى الزواج مؤهلين لذلك، مؤهلين روحياً وتربوياً، ومؤهلين من جهة كونهم قدوة لأجيال مقبلة..
كما أن الطفل لا ينسى ما يسمعه، بل كثيراً ما يستعيده ويردده، حتى أمام الضيوف، وأمام باقى أفراد الأسرة. ويقول لمن يقابله "بابا قال كذا.. ماما بتقول كذا " (بابا ضرب ماما!!)..
إن الطفل لا يحفظ سراً..
فاحترس من جهة الأسرار التى تُقال أمامه..
أو من جهة الأسرار التى تظن إنه لا يسمعها، لأنه (نائم).. بينما لا يكون نائماً تماماً..
15- عامل الحب مع الأطفال
إن أحببت الطفل، يمكنك أن تقوده.
فالطفل يتبع من يحبه، ويكون مستعداً لطاعته، لأنه يطمئن إليه ويثق به، وعلى العكس فإنه ينفر ممن لا يشعر بمحبته.
وقد يسلك معه بعناد، وربما يفكر في إيذائه..!
قرأت وأنا صغير قصة عن رجل زمار..
إنها قصة مشهورة، ربما أنتم جميعاً قد قرأتموها.. هذا الزمار دخل إحدى القري، وأخذ يزمر، فالتف حوله الأطفال. وصار ينتقل من حارة إلى حارة، والأطفال وراءه، ومجموعات أخرى منهم تنضم إليه. وهو ينتقل بهم بزمارته من مكان إلى آخر، وهم في غاية المتعة والسرور، حتى خرج بهم جميعاً إلى خارج القرية.
وهكذا نجد كيف ينساق الأطفال وراء من يحبونه، أو من يجلب لهم المتعة والسرور.
حاول إذن أن تحب الأطفال وأن تلاعبهم، لأنهم يحبون من يلاعبهم، واللعب متعة لهم.
يحبون من يسليهم ومن يناغيهم، ومن يحبهم. وبعد أن تكسب محبتهم، يمكنك أن تعلمهم ما يلزمهم وما يناسبهم من تعليم. حينئذ سيقبلون التعليم منك ويرددونه وراءك.
وبخاصة لو كان منغماً، وقصير المقاطع، ومصحوباً بقرار، وبحركات..
16- الغيرة عند الطفل
إذا لاعبت الأطفال أو مدحتهم، فاحترس من الغيرة.
إن الطفل يغار جداً إذا نال طفل غيره مديحاً غير منك أو حباً، لم ينله هو.. أو إذا لاعبت غيره، وأهملته هو.. أو إذا أعطيت غيره، ولم تعطه.. قد يتضايق منك، لأنك غير عادل في توزيع حنانك. والأخطر من هذا، أنه قد ينتقم من الطفل الآخر ويضربه أو يؤذيه، ولو في وقت لاحق.. إن كان اخوة يوسف الصديق، قد غاروا منه بسبب أحلامه، وبسبب محبة أبيه له أكثر منهم، والقميص الملون الذى أعطاه إياه.. ووصلت غيرتهم إلى أنهم أرادوا التخلص منه وباعوا كعبد (تك37) فكم بالأولى الأطفال الصغار، والغيرة عندهم أكثر من الكبار؟!..
إذن حاول مع الأطفال أن تكون عادلاً.
ولا تجعلهم يكرهون بعضهم بعضاً بسببك.
ولا تترك طفلين لك يتشاجران على لعبة واحدة. استخدم الألعاب المزدوجة أكثر من الألعاب الفردية، أو كل منهما ما يماثل غيره..
17- الطفل يشعر أنه يملك كل شيء
الطفل يشعر أن من حقه أن يأخذ كل شئ!
كل شئ يملكه. لا يقبل في ذهنه أن هذا الشيء ملك للأب أو للأم أو الأخوة أو الضيوف.. بل يأخذه بلا مانع ولا عائق. وإن أردت استرداده، يبكى ويصرخ ويحتج.. كأنك أنت المخطئ في الاسترداد، وليس هو المخطئ في الأخذ!!
لا تتهمه بأنه لص أو سارق أو حرامى!!
فهذه كلمات جديدة عليه، لا توجد في قاموسه.. لا يعلقها ولا يقبلها.. وكأنك تعمله شتائم يستخدمها بغير معرفة في حديثه مع غيره.. وأيضاً لا تنتهره، ولا تضربه، ولا تكن قاسياً عليه، إذا أخذ شيئاً ليس له. وإنما يمكنك في هذه الحالة:
* اخفاء الأشياء الهامة، الى تخشى أن يأخذها ويتلفها.
بمعنى أنك لا تجعل في متناول الطفل كل شئ، وبخاصة الأدوية، التى يمكن يأخذها ويضعها للتو في فمه، فتضره.
* يمكن أن تشغله يشئ آخر:
فيترك ما في يده، ويأخذ ذلك الشئ الذى تريده منه. وبخاصة لو جعلت هذا البديل مغرياً له، من النوع الذى يحبه. لعبة جميلة مثلاً، أو شئ يحدث صوتاً يجذبه. وسترى أنه سينسى ما كان معه أولاً..
18- الصدق عند الطفل
الطفل هو إنسان صغير داخل إلى مجتمع جديد، لا يعرف كيف سيتعامل معه هذا المجتمع، ومن هو موضع ثقة يطمئن إليه. وهو يطمئن إليك عن طريق محبتك وعطاياك.
وأيضاً يثق بك إن كنت صادقاً معه.
سواء الصدق في المعلومات التى تقولها له، أو الصدق في المواعيد التى تعده بها.
وحذار أن تكذب، فالولد عنده الصراحة الكافية التى يقول لك بها أنك تكذب (إن كان يعرف هذه اللفظة) أو على الأقل يقول لك (أنت بتضحك على).. أو على الأقل لا يضع ذهنه أن يثق بك فيما بعد، في كل ما تقوله له مستقبلاً..
وتكون بذلك قد أدخلت الشك إلى نفسه.
وأفقدته شيئاً من بساطته التى تميل إلى تصديق الغير. وتدخله أحياناً في حيرة: من من الناس يصدقه؟ ومن الذى يشك فيه.. ويدخل في هذا البند، إن خدعته بحيلة معينة في موضوع ما، واكتشف أنك خدعته لكى تصل إلى غرضك، وتمتعه عما يريد..
بل أخطر من هذا، قد تعلمه الكذب والتحاليل.
إن الطفل يحب الطبيعة بكل تفاصيلها.
الأشجار، الأزهار، البحر، الورد، الطير، السمك. ويفرح أن تكون على ملابسه رسوم لشئ من كل هذا. فهو يحب الرسم أيضاً، ويحب الصور. وحين نعلمه القراءة، نستغل هذه النقطة.. فنقول له: ألف: أرنب، الباء: بطة.. فنقرب إليه النطق، ونوضحه بالرسم.
19- الألوان بالنسبة للطفل
والطفل يفرح بالألوان وبتنوعها..
تعجبه الفراشات في تعدد ألوانها، وكذلك ألوان السمك الملون.
وربما توجد ألوان معينة تجذبه. وهو في ملابسه: لا يهمه نوع القماش، أو غلو الثمن، إنما يهمه بالأكثر اللون الذى يعجبه.. نلاحظ أن أبانا يعقوب، حينما أراد أن يفوح ابنه الصغير يوسف " صنع له قميصاً ملوناً " (تك37: 3).. مما دل على، أنه " يحب أكثر من جميع أخوته ".
إننى حينما أوزع شوكولاته على الأطفال، أحرص على أن أعطيتهم من شتى الألوان التى تغلف الشوكولاته، مع أنها كلها من صنف واحد. فأقول للطفل "أدى الأخضرة، وأدى الأصفرة، وأدى الأزرقة" فيفرح الطفل بهذا.
وربما يقول " أنا عايز كمان من الأحمرة..". هنا الاهتمام باللون أكثر من النوع.. إنه يميز النوع فيما بعد. أو يميزه بالمذاقة، ومع ذلك تعجبه الألوان.
ولذلك فمن تسليات الطفل عملية التلوين.
حيث توضع أمامه صفحتان:
إحداهما للشكل وهو ملون والأخرى فيها نفس الشكل، ولكن مجرد خطوط بلا ألوان. وهو يأخذ من مواد التلوين ويلون كل جزء بما يناسبه في الشكل المقابل.
20- حب التغيير عند الطفل
الطفل يمل من الشئ الواحد. إنه يحب التعدد، وبالتالى يحب التغير.
اللعبة الواحدة المتكررة لا تشبعه، وإنما التغير في نوع اللعب في شكلها وفى حركاتها. اللعبة الجامدة لا تلذ له كثيراً ولكن تعجبة المتحركة. وبالأكثر لو كانت حركتها تمثل لوناً من اللعب..
وتلذ له اللعبة المتحركة بالأكثر، إن كانت تحدث صوتاً في نفس الوقت. أو يدوس على جزئ منها فيسمع الصوت..
فإن بقيت معه مدة طويلة يسأمها ويهملها، ويبحث عن شئ آخر.
إنه يتطلع إلى عالم جديد عليه، يود فيه أن يزيد معارفه بأشياء جديدة.وهو يتعرف على كل ذلك بحواسه، ثم يضيف إليها عقله كلما ينضج.
من هنا كانت أهمية وسائل الإيضاح بالنسبة إلى أطفال مدارس الأحد.
والهيئات التى تستخدم هذه الوسائل السمعية والبصرية، تستطيع أن تجذب الطفل بالأكثر.
ولا يجوز لنا أن نهمل هذه الوسائل التوضيحية، وهذه المناظر التى تجذب الأطفال، ثم نلوم إن الطوائف إن استخدمتها، أو نلوم التلفزيون!!
لا بد أن نقدم البديل للطفل..
21- المديح والتشجيع للطفل
الطفل في الحضانة أو الابتدائي يميل إلى المديح. ويرى أنه دليل على المحبة.
فلا تقل: أنا أخشى عليه من الكبرياء والمجد الباطل! وأريد أن أعمله التواضع، وأن يقول عن نفسه إنه خاطئ وشرير!!هذا النطق لا يناسب الطفل إطلاقاً.
بل بالمديح يطمئن الطفل على سلامة تصرفاته.
السن الناضجة هي التى يعرف فيها الإنسان الخير والحق من ذاته، يدرك ذلك عقلياً أو كتابياً أو عن طريق التوعية أو التعليم. أما في سن الطفولة، فيعرف أن هذا الأمر خطأ، حينما يمنعونه عن إتيانه.
بالمديح تكسب الطفل. وبالمديح تشعره بحبك له. وأيضاً بالمديح تشجعه على عمل الخير.
فإن قالت الأم مثلاً " بابا بيجب العيال الحلوين اللى بيعقدوا هاديين وما يتشاقوش"، تجد الطفل يرد عليها "أنا يا ماما هادى وما ابتشاقاش". وإن قالت الأم "ربنا بيحب العيال الحلوين اللى بيجبوا اخواتهم الصغيرين ويلعبوا معاهم" تجد طفلها يرد قائلاً "أنا يا ماما باحب اختى الصغيرة، وبألعب معاها".
وهكذا يحمل المديح أحياناً لوناً من الإيحاء لوناً من الإيحاء، يدفعه إلى عمل الخير.
سواء مدحته هو، أو مدحت العمل لكى يعمله فيستحق المديح.. والطفل حساس يستطيع أن يميز الأشياء التى تجلب له المديح من التى تجلب له الإهمال أو العقاب.. أما الأخطاء فيكفى أن تتجاهله فيها، فيعرف أنها لم تلاق اهتماماً أو مديحاً. وإن وبخته عليها، لا توبخه بكلمة خاطئة يمكن أن يلتقطها ويستخدمها مع غيره.
تأكد أنك أمام جهاز حساس في السماع والمحاكاة.
فإذا كان التوبيخ شتيمة، فإنه يسمعها منك ويقولها لغيره. وتكون قد أضيفت إلى قاموسه عبارة رديئة. إن التعامل مع الطفولة يعلمنا نحن الكبار كيف نختار الألفاظ المهذبة، حتى لا نقول كلمة رديئة يتعلمها أولادنا منا. وهذه بلا شك مسئولية الأبوين، ومسئولية الأقارب، وكذلك خدام التربية الكنسية.
وثق أن الطفل حريص على كرامته.
ولا يجب أن يهاب بسبب أخطائه، كما أنه لا يود أن يفقد محبة أو مديح الذين يمدحونه أو يشجعونه. يمكن أن تقول له "يا حبيبي. بلاش تعمل كده. دا مش كويس..".
واحترس جداً من جهة الفاظ التوبيخ والذم.
نشكر الله أن اللغة القبطية لا توجد فيها شتائم قائمة بذاتها. إنما الرذيلة هي عكس الفضلية أو نقصها. فالألفاظ التى تدل على أخطاء تأتى بطريقة تركيبية Constructive وليس بلفظ خاص. مثال ذلك كلمة ثرثار ليس لها لفظ خاص، وإنما تأتى مركبة (كثير الكلام).
يمكن إذن أن تعلم الطفل الخير والفضيلة بأسلوب إيجابي غير سلبى.
22- التخويف مع الأطفال
احترس أيضاً من أسلوب التخويف..
لا تخوفه باستمرار من الله ومن الآباء.
لا تقل له باستمرار "ربنا يزعل منك".. "ربنا مش ها يحبك لو عملت كده". أصعب من هذا الذى يقول له "لو عملت كده، ربنا ها يوديك النار"..
لا تجعل صورة الله مخيفة للطفل.
وإن الله واقف له بالمرصاد، ليراقبه ويعاقبه!! أو أن الله باستمرار ضد حريته وضد رغباته!! أو لأنه لا يتسامح معه في شئ.. أو أن الطفل معرض لأن يفقد محبة الله لآى سبب.. أو أن علاقته بالله تمر في سلسلة طويلة من التهديدات..
سأحكى لكم قصة واقعية تبين خطورة هذا الأمر..
أتذكر قبل رهبنتى، كان لنا جار في البيت المقابل، مرض ورقد على فراش الموت. وكان له ابن طفل. فأبعدوا هذا الطفل عند بعض أقاربه، حتى لا يري أباه في ساعة موته. ثم مات الأب، ورجع الطفل إلى البيت بعد حوالى أسبوعين..
وسأل الطفل عن أبيه، فقالوا له: أخذه ربنا.. فظل الطفل غضبان من الله مدة طويلة!!
كيف يأخذ أباه منه، ويحرمه من الأب الذى يحبه؟!
كان عرض الأمر بهذا الأسلوب غير موفق تماماً. كان يمكنهم أن يقولوا له مثلاً: بابا راح السما..
23- اهتمام الطفل
قصة حدثت معى تركت في نفسى أثراً كبيراً.
وقدمت لى أسلوباً أساسياً في معاملتى للأطفال. وفى الواقع أعطتني درساً عملياً نافعاً. في أحد الأيام زارتني أسرة ومعها طفلها. وأرادت الأمم أن تقدم لى مهارة الطفل في الحفظ، فظللت تحث الطفل وتقول له:
- قل لسيدنا "أبانا الذى".. قل له " أجيوس..". أما الطفل فنظر إلى فى براءة وفرح، وقال لى:
- شايف الجزمة الحمرة الجديدة بتاعتى؟
كان الطفل سعيدا جداً حذائه الجديد الأحمر، وأفكاره كلها مركزة فيه، ويريد أن يشاركه الكل في سعادته، بأن يلفت أنظارهم إلى هذا الحذاء الجديد الذى يلبسه.. بينما الأم تريد ان تنقله إلى جو آخر روحى لم يصل إليه بعد..!
ومن ذلك الحين، كنت كلما أرى طفلاً: أمتدح أولاً ملابسه الجميلة، وما عليها من أشكال ورسوم، أو أمتدح ألوانها. فإن كانت بنتاً أمتدح الحلق الذى تلبسه،أو الفيونكا التى في شعرها، أو اللعبة التى في يديها.. أو أمتدح الأطفال عموماً بأنهم "حلوين" و"كتاكيت" ولطفاً.. ولا مانع من بعض الشوكولاته أو الملبس أو الهدايا أياً كانت..
وبعد إشباعهم بهذا الرضى، ندخل في " أبانا الذى " وفى " آجيوس ".
تأتى مراجعة المحفوظات حينئذ فى موضعها.. بعد أن يكون الطفل قد شبع حناناً وحباً، واطمئن إلى محبة من يكلمه، واطمئن متجهة رضاه عن نفسه، ورضى الأخرين عنه.. أما أن نبدأ بسؤاله عن معلوماته، كأننا في موقف " المفتش " أو الممتحن، فهذا تصرف يأتى في غير وقته. وقد قال الحكيم " تفاحة من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في وقتها " (أم25: 11).
* انظر قصيدة ذات مساء.
24- العطاء عند الطفل
الولد في هذه السن، لا يعرف الحب الفلسفى المجرد. إنما الحب دليله العطاء.
الله يحبنا، فيعطينا كل شئ.. حتى بابا وماما، هما عطية من الله لنا. وإنما تعبر عن محبتك للطفل، بالعطاء أيضاً.
والعطاء يتنوع حسب تفضيل الطفل.
نعطية ما يحبه، مع التنويع فيما نعطى.. قد نعطيه بعض الحلوى، أو بعض اللعب، أو صورة دينية، أو أيقونة أو صليباً.. أو على الأقل نعطيه ابتسامة وحناناً ومداعبة وتشجيعاً.. كما يفرح الطفل بعطائنا له، وينبغى أيضاً أن:
نعلم الطفل أيضاً أن يعطى..
فلو كانت كلها أخذاً، لا يكون هذا صاحاً له.. لذلك نحن نعلمه أولاً أن يعطى، دون أن يؤثر ذلك عليه.. وهناك أمثلة كثيرة لذلك:
* إذا حضر ضيوف مثلاً، بدلاً من أن نوزع عليهم بأنفسناً قطعاً من الحلوى، نعطيه هو ليوزع. نقول له: خذ إعط هذا لفلان، وإعط هذا لفلانة.. وسوف يسر بذلك، إذ يشعر أنه المضيف الذى يعطى.
* نفس التدريب بصورة مصغرة على مائدة الطعام..
* كذلك يمكن أن ندربه على هذا العطاء في التعامل مع أخوته الأصغر أو الأكبر.
* أو تقول له الأم. نحجز هذا الشئ لبابا حينما يحضر، وأنت تعطيه بنفسك. وسيفرح بك ويشكرك.
* نمتدحه في كل مرة يعطى فيها لغيرة، ونشجعه بكافة ألوان التشجيع.
* كذلك يمكن أن نحكى له قصصاً من العطاء وهي قصص كثيرة، سواء من الكتاب المقدس، أو حياة القديسين، أو القصص الاجتماعية.
اتذكر قصة حدثت معي سنة 1967 م.
كانت الكلية الاكليريكية تجتاز ضائقة مالية شديدة جداً، مما أدى إلى أن مدير الديوان البابوى أرسل مجموعة من الخطابات يعلن فيها وقف الصرف عليها وعلى كل المعاهد الدينية.. وأقمنا قداسات من أجل هذا الأمر. وفى آخر أحد القداسات، تقدم بعض الأحباء، يقدمون تبرعات للصرف على الاكليريكية. ورأى أحد الأطفال كل هؤلاء يتقدمون ويعطون من عندهم شيئاً.. فجاء هذا الطفل إلى، ووضع يده في جيبه، وقدم لى ملبساية.. وتكرر هذا الفصل وقدم من طفل آخر، عن حب وليس عن تقليد لغيره.. جاءنى في محبة وقدم لى ملبسة مما في يده، مع عبارة حب رقيقة..
25- قوة الحفظ لدى الطفل
الطفل في سن الطفولة سريع الحفظ، وله ذاكرة قوية جداً.
يكفى أنها ذاكرة جديدة لم تمتلئ بعد.. مثل ذاكرة كومبيوتر يمكن أن تسع خمسين ألف كلمة، ولم تسجل فيها سوى مائة كلمة فقط. وكلما كبر الطفل، واختلط بالمجتمع وسجل منه ألفاظاً وجملاً. ودخل إلى المدرسة، وأضيفت إلى ذهنه وذاكرته معلومات من شتى العلوم، وألفاظ من لغات أخرى أيضاً.. حينئذ لا تصبح الذاكرة في تلك السن الناضجة مستعدة لتقبل كل شئ، وقد تنسى.. بعكس الطفل يولد بذاكرة بكر..
وكما قال أحد علماء التربية: إن الطفل في السنوات الخمس الأولى من عمره يحفظ قاموساً.
ذلك لأنه يولد ولا يعرف لفظاً واحداً من اللغة. ثم يتعلم ويحفظ كل ألفاظ التخاطب ومسميات الأشياء التى أمامه. فلننتهز نحن هذه الموهبة التى فيها لكى نجعله يحفظ ما يفيده.
نجعله يحفظ أيات وتراتيلاً وألحاناً.
ونضيف إلى ذاكرته قصصاً من الكتاب والقديسين.
نجعله يحفظ صلوات، وإن كان لا يفهمها. إن وقت الفهم والتأمل سيأتي فيما بعد. فلا نفقد سن الحفظ دون أن نستغلها. الأطفال نحفظهم قانون الإيمان ولا يهمنا أنهم لا يفهمونه ونحفظهم " أبانا الذى " وبعض صلوات أخرى. ونترك الفهم إلى مراحل النضوج المقبلة.
إن مدرس مدارس الأحد الذى يهمل تحفيظ الأطفال، إنما يضيع عليهم ميزة تلك المرحلة من عمرهم.
ونفس الحكم نقوله للآباء والأمهات الذين يهملون تحفيظ أولادهم. وينسون الوصية التى قال فيها الرب ولتكن هذه الكلمات التى أنا أوصيك بها اليوم على قلبك. وقصها على أولادك، ويتكلم بها حين تجلس في بيتك.. " (تث6: 6، 7).
وثقوا جميعاً أنكم إن لم تملأوا ذاكرة الأطفال بما يفيد، فسوف تمتلئ بأشياء أخرى.
إن لم تمتلئ بالتراتيل والألحان، فسوف تمتلئ بالأناشيد والأغاني من مصادر أخرى..
وإن لم تمتلئ بقصص القديسين وشخصيات الكتاب وقصص الفضيلة، فسوف تمتلئ بتفاهات شتى، وربما بأشياء ضارة.
ليتنا نضع برنامجاً للحفظ، خاصاً بالأطفال، سواء للبيوت، أو للتربية الكنسية.
ويمكن تعليق آيات في براويز داخل بيوتنا، ليحفظها الأطفال، ويحفظها الكبار معهم. ويصبح وجود طفل في البيت بركة روحية لكل أفراد الأسرة. بسببه يحفظون الآيات والتراتيل، وبسببه يحترسون في الكلام وفى استخدام الألفاظ اللائقة وينمون معه روحياً، إن لم يكونوا قد نموا من قبل..
26- الطقوس بالنسبة للطفل
ما أجمل كنائسنا بكل ما فيها من اشباع لحواس الطفل.. وهذا الإشباع الذى ينتقل إلى روحه أيضاً.. أقصد ما فى الكنيسة من أيقونات، صور ملائكة وقديسين، وما فيها من ألحان وموسيقى، وما فيها من بخور. يضاف إلى ذلك الملابس الكهنوتية، تحركات الأب الكاهن والشمامسة. والشموع التى يحملها أثناء قراءة الإنجيل، وحول المذبح.. بالإضافة إلى الركوع والسجود. كل هذه الطقوس تشبع نفس الطفل، وتكون مجالاً لتأمله، وتربطه بالكنيسة أيضاً.
لذلك فالطفل الذى يرسم ابصلتس فى صغره، ويتعود المجئ إلى الكنيسة والمشاركة في أسرارها، يكون أكثر عمقاً في روحياته.. بل أيضاً كل هذه الطقوس تغرس العقيدة في أعماقه، فلا ينحرف عنها إذا كبر. وبخاصة كلما ينمو في الفهم وفى معرفة ما يتلى في القراءات الكنيسة.. ويفرح الطفل أنه يلبس تونية، ويدخل إلى الهيكل، ويمسك شمعة في يده، ويرد بعض المردات وراء الأب الكاهن، ويتناول من الأسرار المقدسة.
وهنا لا تصبح الطقوس مجرد طقوس، إنما فيها الإيمان والعقيدة والروحيات والممارسة، والمعرفة..
كل هذا يأخذه الطفل في مرحلة التسليم، قبل أن يكبر في السن، ويدخل في مرحلة طغيان العقل وسيطرته على كل شئ، ومحاولته المناقشة والجدل في كل ما يتلقاه. الطفل الذى تسلم العقيدة والإيمان في مرحلة الطفولة. هذا إذا دخل في مرحلة النضوج الفكرى، يساعده العقل على الفهم، وليس على الشك.. لا ننسى أيضاً النعمة التى تعمل فيه من خلال الأسرار الإلهية. أما الذين يقولون: نعمد الطفل حينما يكبر ويؤمن، إنما يحرمونه من شركة الكنيسة في طفولته ولا ندرى حينما يكبر، ماذا سيكون؟ وأية عوائق ضد الإيمان تكون قد دخلت إلى نفسه.
27- أهمية فترة الطفولة
فى إحدى المرات قال أحد بابوات الكاثوليك:
"أعطني أطفال العالم، أجعل العالم كله كاثوليكياً". خذ أنت الأطفال واجعلهم من الأرثوذكس..
إن الأشياء التى تنطبع في الطفل أثناء طفولته، يكون لها تأثير على حياته كلها..
لذلك فإن علماء علم النفس حالياً يحاولون أن يرجعوا كل طباع الإنسان وانفعالاته، وكل نواحى قوة شخصيته أو ضعفها.. يرجعونها كلها إلى فترة طفولته. العقد النفسية التى فيه، يرجعونها إلى ما ترسب فيه أثناء طفولته، كذلك ما في أخلاقه من شجاعة أو خوف أو تردد، وما يتصف به في معاملات مع الناس من ثقة أو شك..
فترة الطفولة هي الأساس الذى تبنى عليه كل حياته..
إذن اهتموا بالطفولة، وقدموا لها كل ما لديكم من علم وفن، وكل ما في قلوبكم من حب وحنان.
28- العلاقة بين مرحلة الطفولة المبكرة والمتأخرة
نبدأ الآن مع مرحلة الطفولة المتأخرة، وهي تشمل السنوات الخمس التالية من حياة الطفل (مرحلة التعليم الابتدائى تقريباً)
كمقدمة، لا نستطيع أن نضع فواصل أو حدوداً حاسمة بين فترة وفترة.
فلا يمكننا بالنسبة إلى جميع الأطفال، أن نقول بطريقة قاطعة إن مرحلة الطفولة المبكرة تنتهى عند هذه السن، ثم تبدأ فترة الطفولة المتأخرة في سن (كذا).. فقد يحدث تداخل بين المرحلتين عند كثير من الأطفال..
فالأمر يختلف من طفل لطفل..
حسب درجة ذكائه، ونوع نفسيته، وكيفية تربيته، ومقدار خبرته، وما ناله من توعية ومن تعليم، وما اكتسبه من صفات وراثية.. كل هذه الأمور توثر فيه، وتوجد تفوتاً بين طفل وطفل.. ولكننا فيما سنشرحه، إنما نتكلم عن الخطوط العامة.
كذلك فالانتقال من فترة إلى فترة يحدث تدريجياً..
كلما نضج الطفل في عقله وفى نفسيته.. وقد يكون هذا النضوج سريعاً عند طفل، وبطيئاً عند آخر.. كما لا ننسى مطلقاً نوع الطباع. فقد يكون أحد الأطفال بشوشاً بطبيعته، يميل إلى التآلف مع الغير، بينما طفل آخر يكون منطوياً لا يصادق أحداً بسرعة..
مرحلة الطفولة المبكرة، ومرحلة الطفولة المتأخرة، تشتركان معاً في بعض الصفات. ولكن تختلفان في مستوى النضج..
كلاهما يشتركان في القدرة على الحفظ، وفى حب التقليد، وفى محبة من يقدم الحب والعطاء والمديح والمداعبة..
وكل منهما فترة تسليم.
29- تفاوت بين المرحلتين
فى المرحلة الابتدائية، يصدق الطفل ما يقال له. ولكنه كلما ينضج في عقله، يقبل بعض الأمور، ويسأل في أمور أخرى، وقد لا يقبل أموراً ثالثة. وبعض النقاط تحتاج بالنسبة إليه إلى تفهيم.. في المرحلة السابقة، كان يعتبر كل شئ ملكاً له، ويأخذ ما يريد كأنه من حقه..
ولكنه يبدأ هنا أن يفرق بين الذى له، وبين ما يملكه غيره.
وإن أخذ مما لغيره، يشعر بأنه يرتكب خطأ. فيلجأ إلى الإخفاء. وإن سئل عما أخذه قد يكذب. ويكون الكذب هنا كذباً، وليس خيالاً كما كان في المرحلة السابقة. وإن استردوا منه أخذه من غيرة، قد يقاوم، وقد يصمت وقد يستسلم ويبكى..
30- مجتمع أوسع
فى هذه المرحلة، ينتقل إلى مجتمع جديد، أوسع من نطاق الأسرة، إنه خارج بيته.
فى هذا المجتمع يلتقى بنوعيات من الناس، قد يتأثر بهم. وتصبح له مصادر للمعرفة غير والديه وأهله: منهم المشرفون والمدرسون، ومنهم الزملاء في دور الحضانة أو في المدرسة. وقد يتعرف على طباع وتصرفات لم يتعودها..
ومن المفروض أن نقدم له الرعاية اللازمة والحماية.
إما أننا نغرس في ذهنه وقلبه مبادئ ترسخ فيه، خلال فترة تواجده في محيط الأسرة وحدها قبل أن يخرج إلى المجتمع الأوسع. بحيث أن ما يراه شاذاً بالنسبة إليه، يبتعد عنه تلقائياً وإما أننا نلاحظ بعناية، ونصحح له ما يلتصق به من أخطاء خارج محيط الأسرة.
ونحتاج هنا أن نصادق الطفل، حتى لا يخفى عنا شيئاً. فهو إن كان بخبرته السابقة يخاف الأسرة وعقابها، فإنه لابد سيخفى عنها كل ما يجد عليه، أى كل ما يتعلمه من ألفاظ ومن تصرفات، حتى لا يقابل بالضرب أو التوبيخ أو التهديد. أما إن صادفناه، وأشعرنا بالأمن، وأن أخطاءه سنقابلها بالشرح والتوجيه المخلص دون أذى.. حينئذ سيكشف لنا كل شئ، فيمكننا معالجة الأمور من بدايتها ونشرح له كيف يسلك في المجتمع الجديد، إذ سيحكى لنا بدون خوف..
31- مدارس الأحد
فى هذه المرحلة الابتدائية، يدخل مدارس الأحد.
ويتلقى فيها تعليمه الدينى. وبعض الأسرات تعتمد اعتماداً كاملاً على مدارس الأحد. بحيث تلقى عليها كل مسئوليه التعليم الدينى للطفل. وهذا خطأ. لأن مسئولية الوالدين عن طفلهما لا تزال قائمة، سواء في تعليمه الدينى، أو في الإشراف على هذا التعليم..
نسأل إذن عن واجب الوالدين في الإشراف على التعليم الدينى لطفلهما:
ما أسهل أن يذهب الطفل إلى مدارس الأحد، ولا يلتفت إلى الدرس، ولا يستوعب منه شيئاً، ولا يتذكر منه شيئاً. وكثيراً ما كنت أقابل بعض الأطفال، وأسألهم عن آخر درس تلقوه في مدارس الأحد. فتكون إجابتهم هي أحد الدرو
32- التسليم عند الطفل
الطفل في هذه الفترة مستعد لأن يتسلم أشياء كثيرة فهو يقبل ما تقدمه له من معلومات، ولا يعارض.. إلا لو كان شيئاً مضحكاً أو غير مقبول، فيعتبر الكلام مداعبة..
هذه الفترة هي من أصل الفترات لغرس العقائد.
عن طريق التسليم، وليس عن طريق الشرح والتعليم. يقبل مثلاً عقيدة التثليث دون شرح. تدربه على رشم الصليب، فيفعل ذلك: تقول له "باسم الأب والابن والروح القدس" فيردد ذلك معك دون أن يسألك.
كذلك تسلمه قانون الإيمان فيتسلمه دون أن يناقشك في محتوياته، دون أن يستوضح معانى ألفاظه..
إن حاولت أن تشرح له، سوف تربكه..
كما أن عقله لا يكون قد نضج بالمستوى الذى يقبل فيه الشرح والتفهيم وعمق المعانى.
33- الدرس المناسب للأطفال
نصيحتى لخادم مدارس الأحد، أن يكون درسه مناسباً.
مناسباً للسن، وللعقلية، والظروف، ولإمكانية التنفيذ.
أتذكر في حوالي سنة 1943، إخترت أن أدرس فصلاً في مستوى الرابعة الابتدائية (وكانت شهادة عامة في ذلك الحين). وكنت أحب هذه السن، لأنها انتقال من مرحلة الطفولة، ووقوف على أعتاب المراهقة أو ما يقرب من ذلك. وتصلح لغرس المبادئ.. وكنا في مناسبة عيد القيامة. حدثتهم عن ذهاب المريمات مبكرات إلى القبر. وأحببت أن يكون عملياً، فركزت في هذه النقطة باستفاضة كثيرة، وشرحتها شرحاً وافياً جداً. ثم سألت الطلبة هل اقتنعوا، فوافقوا جميعاً. وحينئذ سألتهم: هل سنذهب إلى الكنيسة إن شاء الله مبكرين من الأسبوع المقبل؟
وللأسف أجابوا جميعاً بأنهم لا يستطيعون.
وخجلت من هذا الفشل، وجمعت بقايا نفسيتى المتبعثرة.
وسألتهم عن السبب. فوقف أحدهم يعبر عن رأى جماعة من حوالى خمسة أطفال وقال: نحن الآن في آخر العام، ونستعد لامتحان الشهادة الابتدائية. ونسهر في المذاكرة لذلك لا نستيقظ مبكرين. ولا نستطيع لهذا السبب أن نذهب مبكرين إلى الكنيسة.
كانت هذه المجموعة على حق. والدرس لم يكن مناسباً من جهة موعده في آخر العام الدراسى، وبالقرب من الأمتحان. ووقف طالب آخر، يمثل مجموعة أخرى من حوالى خمسة أو أكثر. وقال " أنا أذهب إلى الكنيسة مع بابا. وهو يذهب متأخراً". ووجدت أيضاً لهذه المجموعة عذراً، لأنهم أطفال ولا يملكون أمرهم في يدهم. وقد لا يستطيعون الذهاب إلى الكنيسة في غير صحبة آبائهم. ووقف طالب آخر وقال " لا أستطيع أن أذهب مبكراً إلى الكنيسة، لأننى في كل صباح أذهب لأشترى لهم طعام الأفطار".. حقاً يجب أن يذهب الناس إلى الكنيسة صائمين. ولكن ليس الجميع يفعلون هكذا.. فإن أرادوا الإفطار، ولم تكن عندهم شغالة، قد يرسلون هذا الطفل ليشترى الطعام من أقرب محل إلى بيتهم. وتكاثرت الأسباب. وعرفت أن الدرس كان مقنعاً عقلياً. وكان فاشلاً تماماً من الناحية العملية.
وقد ترك هذا الفشل أثراً كبيراً في نفسى، كانت له نتائجه الإيجابية في طريقتي في التدريس. وأصبح الموضوع الذى أدرسه ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 – شرح الموضوع واستخراج الدروس الروحية منه.
2 – تطبيق هذه الدروس في حياتنا العملية.
3 – معرفة العوائق والموانع، والتفكير في الانتصار عليها.
4 – مراجعة وأسئلة وحوار حول الموضوع.
34- الطفل مؤمن
يولد الطفل مومناً. الإيمان غريزة مغروسة في نفسه. تحدثه عن الصلاة، فلا يعرضك. تلقنه ألفاظاً يقولها لله في صلاته، أو أن يقول " يارب " فلا يقول لك: من هو الله؟ ومن هو ربنا؟ وأين هو؟ أو أتكلم مع من.. لذلك فالذين يقولون "ننتظر على الطفل حتى يؤمن"!!.. هؤلاء ينسون تماماً أن الطفل مؤمن. ولا توجد أمامه أية عوائق للإيمان.
هذه الفترة من أحسن الفترات لغرس الإيمان بمحبة الله ورعايته لنا.
يمكن أن تلقنه فيها أن الله هو مصدر كل خير حولنا. هو الذى وهبنا الطبيعة: الشمس والقمر والنجوم، والشجر والعشب والزهور والطيور، والحيوانات الأليفة.. وكل شئ.. إنه القلب الكبير والمحب.. وهو أيضاً الذى أعطانا النور والعين لنبصر، والأذن لنسمع وأعطنا الليل والنوم لنستريح..
وهذه السن نافعة أيضاً للحديث عن قوة الله وعظمته.
الله القادر على كل شئ، الموجود في كل مكان، الذى يرى كل ما نعمله، ويسمع كل ما نقوله. الطفل في سني طفولته الأولى يظن أن أباه بالجسد قادر على ان يعطيه كل شئ. وقد يقول لأبيه وهو سائر وهو سائر في الطريق: أريد أن تشترى لى هذه السيارة، أو هذه العمارة، وربما هذه الطيارة (إن رآها في الجو). وقد يداعبه أبوه ويقول له "حاضر يا حبيبى، وأنا راجع ألفها لك في ورقة". ويضحك الطفل لهذه المداعبة ثم ينسى ما طلبه.
فإن كان الأب الأرضي يقدر على أشياء عديدة، فكم بالأكثر الله في السماء.
ويمكن في هذه السن أيضاً أن تحكى له بعض المعجزات عن عناية الله: مثل معجزة الخمس خبرات والسمكتين، ومعجزة منح البصر للمولود أعمى (يو11)، ومعجزة شق البحر الأحمر (خر14)، وصعود المسيح على السحابة إلى السماء (أع1)، وصعود إيليا النبى في مركبة نارية (2مل1).
إنها سن صالحة جداً لرواية المعجزات..
وهي قصص واقعية تاريخية، أصلح بكثير مما ترويه له كتب العالم من قصص الجن والسحر وبساط الريح.. إلخ.
35- الطفل يحب القصص
الطفل في هذه السن يحب القصص جداً.
ويتسع ذهنه لتقبل قصص أكثر طولاً من قصص مرحلة الطفولة المبكرة. ولو قضيت معه وقتاً طويلاً تحكى له قصصاً، لا يسأم ولا يمل كلما يراك يطلب منك المزيد. أتذكر أننى زرت المنصورة سنة 1963 في مؤتمر لمدارس الأحد، وأنا أسقف، وتجمع الأطفال حولي، فقلت لهم حكاية. ولما زرت المنصورة في السنة التالية، تجمعوا مرة أخرى. وطالبونى بأن أقول لهم حكاية كما حدث في السنة الماضية.
إذا ذهب الطفل إلى مدارس الأحد، ولم يسمع حكاية، يعتبر كأنه لم يأخذ شيئاً.
إنه يحب الحكايات، ويحب الذى يحكيها. وأحياناً يحب جدته التى يسهر معها وهى تحكى له حكايات.. فينبغى إذن أن تكون خزانة لا تنضب من القصص، لكى يحبك الأطفال ويميلوا إلى عشرتك. وعندك كنز كبير من قصص الكتاب المقدس، ومن سير القديسين، ومن تاريخ الكنيسة، ومن القصص التي توضح بعض الفضائل، وحتى قصص الحيوانات والطيور أيضاً، والقصص الخيالية التي لها هدف نافع..
صدقني، حتى الكبار أيضاً يحبون الحكايات.
بشرط أن تكون جديدة عليهم.. حتى في العظات وفى المحاضرات، المهم أن تكون لها هدف.. غير أن الطفل إذا أعجب بقصة، لا مانع عنده من أن يطلب منك أن تعيد روايتها، وبخاصة القصة التي فيها لون من الذكاء، أو فيها لون من المرح والضحك.. هذان النوعان يعجبانه جداً. وقد يسمعهما فيحاول أن يرويها لأصحابه..
استغل هذه الرغبة، لتسمعه قصصاً مفيدة.
منذ زمان، وأنا أطلب أن يجمع لنا يجمع لنا البعض أكبر قدر من القصص المسلية الهادفة، ولو بمسابقة تكون لها جوائز..
36- كيف تحكي قصص الشهداء؟
فى هذه السن لا تصلح أبداً القصص التي تروى عذابات الشهداء وآلامهم.
لأننا لا نريد أن نخيف الطفل، بما يروى من قصص الجلد والسحل والرجم وتقطيع الأعضاء، وسائر ألوان التعذيب.. لئلا يظن أن الذى يسير وراء الله ينتهى إلى مثل هذا المصير، فيخاف.. والمفروض فينا أن نبعد عنه التخويف في هذه السن..
ولكن يمكن أن نحكى له شجاعة الشهداء..
وكيف كانوا يقابلون تهديد الولاة بغير خوف.. مثل مارجرجس حينما مزق منشور دقلديانوس.. أو شجاعتهم في الدفاع عن الإيمان أثناء المحاكمات.. أو سيرهم إلى الاستشهاد وهم يرتلون ويسبحون.. وكذلك كانوا بنفس الشجاعة في السجون..
كذلك نظرتهم إلى الاستشهاد كلقاء مع المسيح.
وانتقال إلى الفردوس، وإلى عشرة الملائكة والقديسين. وما كان يراه الشهداء من رؤى وظهورات مقدسة تقويهم وتشجعهم، وتشفى جرحهم وتعيدهم سالمين.
وهكذا نحكى أيضاً المعجزات التي كانت تصحب آلامهم.
مثل كأس من السم يقدم إلى مارجرجس، فيرشم عليه بعلامة الصليب، يشربه فلا تؤذيه.. أو النار التي أرادوا بها حرق القديس بوليكربوس فلم تضره بشئ. وكذلك كل العذابات التي تعرض لها القديس يوحنا الإنجيلي.. وهكذا يدركون قوة الله التى كانت مع الشهداء، تعينهم وتقويهم، إلى أن أكملوا جهادهم، ويقدر احتمالهم، كانت أكاليلهم.
ويمكننا أيضاً أن نحكى معجزات الشهداء بعد انتقالهم.
فى عيد مارجرجس مثلاً، ليس ضرورياً أن تحكى قصة استشهاده وعذاباته، إنما يمكن أن تحكى بعض معجزات مارجرجس، فيأخذ الطفل فكرة عن قوة الشهداء وشفاعتهم، وإكرام الله لهم.. وكذلك في عيد مارينا، أو الأمير تادرس، أو الشهيد أبانوب، وغيرهم..
وحذار أن تحكى الذبح والسلخ والسيف للأطفال الصغار..
هم لم يصلوا بعد إلى المستوى الذى يمجد الاحتمال وبذل النفس.. وحينما يصلون إلى هذا المستوى الروحي، نقص عليهم كم احتمل الشهداء من أجل محبتهم للرب وثباتهم في الإيمان..
37- العقاب والمكافأة
محبة الطفل، لا تعنى تدليله بطريقة ضارة.
فيجب أن نكافأه على العمل الطيب الذى يعمله. ونوبخه علي العمل الخاطئ بطريقة غير قاسية. ويجب أن نمنعه عنه، إن كان ذلك يجلب ضراراً لغيره، أو كان أمراً غير لائق.
أما تدليل الطفل، والاستجابة له في كل شئ، فقد يعلمه حب الذات، والإصرار على تنفيذ أغراضه مهما كانت خاطئة، وقد يصل إلى حب السيطرة، والتهديد بالصراخ والبكاء والضجيج لتنفيذ أغراضه، حتى لو كسر محتويات البيت!! وهنا لابد من معاقبته، ولا يهمك إن بكي. من الصالح له حينئذ أن يتألم وأن يبكى، حتى يترك ما هو فيه. ولنذكر قول الكتاب:
" الذى يحبه الرب يؤدبه.. " (عب12: 6).
فإن كان الله مصدر الحب كله، يؤدب ولا يتنافى هذا التأديب مع محبته، إذن ينبغى أيضاً أن نؤدب أولادنا. ولكن نؤدبهم في تعليم، وفى غير قسوة.
وبعد التأديب نظهر لهم الحنان مرة أخرى.
لكى يدركوا أن ذلك التأديب لم يكن تغيراً في مشاعرنا نحوهم، وإنما هو تغير في تصرفاتهم وخروج بها عن الحد اللائق.. ولنذكر أن الرب عاقب عالى الكاهن، لأنه لم يحسن تربية أولاده (1صم3: 13).
وكما نغرس فيهم العقائد الإيمانية، نغرس فيهم أيضاً محبة النظام والخير، وطاعة الكبار وقبول تأديبهم.
إن الخطأ يكون غالباً في طريقة التأديب، إن كانت بأسلوب غير روحي، أو أسلوب غير إنساني.. أو إن امتزجت بالقسوة.
أو إن كانت هذه القسوة هي الأسلوب السائد، سواء كان الخطأ خفيفاً يكفيه مجرد النضح، أو خطيراً يقتضى العقوبة. إن الأبوين اللذين يسود الحنان معاملتهم لطفلهما، ستكون أكبر عقوبة له أن يحرم في وقت ما من هذا الحنان، ويشعر أنه فقد عطفهما وثقتهما. ويظهر هذا بالذات في سن الطفولة المتأخرة
الطفل في هذه الفترة مستعد لأن يتسلم أشياء كثيرة فهو يقبل ما تقدمه له من معلومات، ولا يعارض.. إلا لو كان شيئاً مضحكاً أو غير مقبول، فيعتبر الكلام مداعبة..
هذه الفترة هي من أصل الفترات لغرس العقائد.
عن طريق التسليم، وليس عن طريق الشرح والتعليم. يقبل مثلاً عقيدة التثليث دون شرح. تدربه على رشم الصليب، فيفعل ذلك: تقول له "باسم الأب والابن والروح القدس" فيردد ذلك معك دون أن يسألك.
كذلك تسلمه قانون الإيمان فيتسلمه دون أن يناقشك في محتوياته، دون أن يستوضح معانى ألفاظه..
إن حاولت أن تشرح له، سوف تربكه..
كما أن عقله لا يكون قد نضج بالمستوى الذى يقبل فيه الشرح والتفهيم وعمق المعانى.
33- الدرس المناسب للأطفال
نصيحتى لخادم مدارس الأحد، أن يكون درسه مناسباً.
مناسباً للسن، وللعقلية، والظروف، ولإمكانية التنفيذ.
أتذكر في حوالي سنة 1943، إخترت أن أدرس فصلاً في مستوى الرابعة الابتدائية (وكانت شهادة عامة في ذلك الحين). وكنت أحب هذه السن، لأنها انتقال من مرحلة الطفولة، ووقوف على أعتاب المراهقة أو ما يقرب من ذلك. وتصلح لغرس المبادئ.. وكنا في مناسبة عيد القيامة. حدثتهم عن ذهاب المريمات مبكرات إلى القبر. وأحببت أن يكون عملياً، فركزت في هذه النقطة باستفاضة كثيرة، وشرحتها شرحاً وافياً جداً. ثم سألت الطلبة هل اقتنعوا، فوافقوا جميعاً. وحينئذ سألتهم: هل سنذهب إلى الكنيسة إن شاء الله مبكرين من الأسبوع المقبل؟
وللأسف أجابوا جميعاً بأنهم لا يستطيعون.
وخجلت من هذا الفشل، وجمعت بقايا نفسيتى المتبعثرة.
وسألتهم عن السبب. فوقف أحدهم يعبر عن رأى جماعة من حوالى خمسة أطفال وقال: نحن الآن في آخر العام، ونستعد لامتحان الشهادة الابتدائية. ونسهر في المذاكرة لذلك لا نستيقظ مبكرين. ولا نستطيع لهذا السبب أن نذهب مبكرين إلى الكنيسة.
كانت هذه المجموعة على حق. والدرس لم يكن مناسباً من جهة موعده في آخر العام الدراسى، وبالقرب من الأمتحان. ووقف طالب آخر، يمثل مجموعة أخرى من حوالى خمسة أو أكثر. وقال " أنا أذهب إلى الكنيسة مع بابا. وهو يذهب متأخراً". ووجدت أيضاً لهذه المجموعة عذراً، لأنهم أطفال ولا يملكون أمرهم في يدهم. وقد لا يستطيعون الذهاب إلى الكنيسة في غير صحبة آبائهم. ووقف طالب آخر وقال " لا أستطيع أن أذهب مبكراً إلى الكنيسة، لأننى في كل صباح أذهب لأشترى لهم طعام الأفطار".. حقاً يجب أن يذهب الناس إلى الكنيسة صائمين. ولكن ليس الجميع يفعلون هكذا.. فإن أرادوا الإفطار، ولم تكن عندهم شغالة، قد يرسلون هذا الطفل ليشترى الطعام من أقرب محل إلى بيتهم. وتكاثرت الأسباب. وعرفت أن الدرس كان مقنعاً عقلياً. وكان فاشلاً تماماً من الناحية العملية.
وقد ترك هذا الفشل أثراً كبيراً في نفسى، كانت له نتائجه الإيجابية في طريقتي في التدريس. وأصبح الموضوع الذى أدرسه ينقسم إلى أربعة أقسام:
1 – شرح الموضوع واستخراج الدروس الروحية منه.
2 – تطبيق هذه الدروس في حياتنا العملية.
3 – معرفة العوائق والموانع، والتفكير في الانتصار عليها.
4 – مراجعة وأسئلة وحوار حول الموضوع.
34- الطفل مؤمن
يولد الطفل مومناً. الإيمان غريزة مغروسة في نفسه. تحدثه عن الصلاة، فلا يعرضك. تلقنه ألفاظاً يقولها لله في صلاته، أو أن يقول " يارب " فلا يقول لك: من هو الله؟ ومن هو ربنا؟ وأين هو؟ أو أتكلم مع من.. لذلك فالذين يقولون "ننتظر على الطفل حتى يؤمن"!!.. هؤلاء ينسون تماماً أن الطفل مؤمن. ولا توجد أمامه أية عوائق للإيمان.
هذه الفترة من أحسن الفترات لغرس الإيمان بمحبة الله ورعايته لنا.
يمكن أن تلقنه فيها أن الله هو مصدر كل خير حولنا. هو الذى وهبنا الطبيعة: الشمس والقمر والنجوم، والشجر والعشب والزهور والطيور، والحيوانات الأليفة.. وكل شئ.. إنه القلب الكبير والمحب.. وهو أيضاً الذى أعطانا النور والعين لنبصر، والأذن لنسمع وأعطنا الليل والنوم لنستريح..
وهذه السن نافعة أيضاً للحديث عن قوة الله وعظمته.
الله القادر على كل شئ، الموجود في كل مكان، الذى يرى كل ما نعمله، ويسمع كل ما نقوله. الطفل في سني طفولته الأولى يظن أن أباه بالجسد قادر على ان يعطيه كل شئ. وقد يقول لأبيه وهو سائر وهو سائر في الطريق: أريد أن تشترى لى هذه السيارة، أو هذه العمارة، وربما هذه الطيارة (إن رآها في الجو). وقد يداعبه أبوه ويقول له "حاضر يا حبيبى، وأنا راجع ألفها لك في ورقة". ويضحك الطفل لهذه المداعبة ثم ينسى ما طلبه.
فإن كان الأب الأرضي يقدر على أشياء عديدة، فكم بالأكثر الله في السماء.
ويمكن في هذه السن أيضاً أن تحكى له بعض المعجزات عن عناية الله: مثل معجزة الخمس خبرات والسمكتين، ومعجزة منح البصر للمولود أعمى (يو11)، ومعجزة شق البحر الأحمر (خر14)، وصعود المسيح على السحابة إلى السماء (أع1)، وصعود إيليا النبى في مركبة نارية (2مل1).
إنها سن صالحة جداً لرواية المعجزات..
وهي قصص واقعية تاريخية، أصلح بكثير مما ترويه له كتب العالم من قصص الجن والسحر وبساط الريح.. إلخ.
35- الطفل يحب القصص
الطفل في هذه السن يحب القصص جداً.
ويتسع ذهنه لتقبل قصص أكثر طولاً من قصص مرحلة الطفولة المبكرة. ولو قضيت معه وقتاً طويلاً تحكى له قصصاً، لا يسأم ولا يمل كلما يراك يطلب منك المزيد. أتذكر أننى زرت المنصورة سنة 1963 في مؤتمر لمدارس الأحد، وأنا أسقف، وتجمع الأطفال حولي، فقلت لهم حكاية. ولما زرت المنصورة في السنة التالية، تجمعوا مرة أخرى. وطالبونى بأن أقول لهم حكاية كما حدث في السنة الماضية.
إذا ذهب الطفل إلى مدارس الأحد، ولم يسمع حكاية، يعتبر كأنه لم يأخذ شيئاً.
إنه يحب الحكايات، ويحب الذى يحكيها. وأحياناً يحب جدته التى يسهر معها وهى تحكى له حكايات.. فينبغى إذن أن تكون خزانة لا تنضب من القصص، لكى يحبك الأطفال ويميلوا إلى عشرتك. وعندك كنز كبير من قصص الكتاب المقدس، ومن سير القديسين، ومن تاريخ الكنيسة، ومن القصص التي توضح بعض الفضائل، وحتى قصص الحيوانات والطيور أيضاً، والقصص الخيالية التي لها هدف نافع..
صدقني، حتى الكبار أيضاً يحبون الحكايات.
بشرط أن تكون جديدة عليهم.. حتى في العظات وفى المحاضرات، المهم أن تكون لها هدف.. غير أن الطفل إذا أعجب بقصة، لا مانع عنده من أن يطلب منك أن تعيد روايتها، وبخاصة القصة التي فيها لون من الذكاء، أو فيها لون من المرح والضحك.. هذان النوعان يعجبانه جداً. وقد يسمعهما فيحاول أن يرويها لأصحابه..
استغل هذه الرغبة، لتسمعه قصصاً مفيدة.
منذ زمان، وأنا أطلب أن يجمع لنا يجمع لنا البعض أكبر قدر من القصص المسلية الهادفة، ولو بمسابقة تكون لها جوائز..
36- كيف تحكي قصص الشهداء؟
فى هذه السن لا تصلح أبداً القصص التي تروى عذابات الشهداء وآلامهم.
لأننا لا نريد أن نخيف الطفل، بما يروى من قصص الجلد والسحل والرجم وتقطيع الأعضاء، وسائر ألوان التعذيب.. لئلا يظن أن الذى يسير وراء الله ينتهى إلى مثل هذا المصير، فيخاف.. والمفروض فينا أن نبعد عنه التخويف في هذه السن..
ولكن يمكن أن نحكى له شجاعة الشهداء..
وكيف كانوا يقابلون تهديد الولاة بغير خوف.. مثل مارجرجس حينما مزق منشور دقلديانوس.. أو شجاعتهم في الدفاع عن الإيمان أثناء المحاكمات.. أو سيرهم إلى الاستشهاد وهم يرتلون ويسبحون.. وكذلك كانوا بنفس الشجاعة في السجون..
كذلك نظرتهم إلى الاستشهاد كلقاء مع المسيح.
وانتقال إلى الفردوس، وإلى عشرة الملائكة والقديسين. وما كان يراه الشهداء من رؤى وظهورات مقدسة تقويهم وتشجعهم، وتشفى جرحهم وتعيدهم سالمين.
وهكذا نحكى أيضاً المعجزات التي كانت تصحب آلامهم.
مثل كأس من السم يقدم إلى مارجرجس، فيرشم عليه بعلامة الصليب، يشربه فلا تؤذيه.. أو النار التي أرادوا بها حرق القديس بوليكربوس فلم تضره بشئ. وكذلك كل العذابات التي تعرض لها القديس يوحنا الإنجيلي.. وهكذا يدركون قوة الله التى كانت مع الشهداء، تعينهم وتقويهم، إلى أن أكملوا جهادهم، ويقدر احتمالهم، كانت أكاليلهم.
ويمكننا أيضاً أن نحكى معجزات الشهداء بعد انتقالهم.
فى عيد مارجرجس مثلاً، ليس ضرورياً أن تحكى قصة استشهاده وعذاباته، إنما يمكن أن تحكى بعض معجزات مارجرجس، فيأخذ الطفل فكرة عن قوة الشهداء وشفاعتهم، وإكرام الله لهم.. وكذلك في عيد مارينا، أو الأمير تادرس، أو الشهيد أبانوب، وغيرهم..
وحذار أن تحكى الذبح والسلخ والسيف للأطفال الصغار..
هم لم يصلوا بعد إلى المستوى الذى يمجد الاحتمال وبذل النفس.. وحينما يصلون إلى هذا المستوى الروحي، نقص عليهم كم احتمل الشهداء من أجل محبتهم للرب وثباتهم في الإيمان..
37- العقاب والمكافأة
محبة الطفل، لا تعنى تدليله بطريقة ضارة.
فيجب أن نكافأه على العمل الطيب الذى يعمله. ونوبخه علي العمل الخاطئ بطريقة غير قاسية. ويجب أن نمنعه عنه، إن كان ذلك يجلب ضراراً لغيره، أو كان أمراً غير لائق.
أما تدليل الطفل، والاستجابة له في كل شئ، فقد يعلمه حب الذات، والإصرار على تنفيذ أغراضه مهما كانت خاطئة، وقد يصل إلى حب السيطرة، والتهديد بالصراخ والبكاء والضجيج لتنفيذ أغراضه، حتى لو كسر محتويات البيت!! وهنا لابد من معاقبته، ولا يهمك إن بكي. من الصالح له حينئذ أن يتألم وأن يبكى، حتى يترك ما هو فيه. ولنذكر قول الكتاب:
" الذى يحبه الرب يؤدبه.. " (عب12: 6).
فإن كان الله مصدر الحب كله، يؤدب ولا يتنافى هذا التأديب مع محبته، إذن ينبغى أيضاً أن نؤدب أولادنا. ولكن نؤدبهم في تعليم، وفى غير قسوة.
وبعد التأديب نظهر لهم الحنان مرة أخرى.
لكى يدركوا أن ذلك التأديب لم يكن تغيراً في مشاعرنا نحوهم، وإنما هو تغير في تصرفاتهم وخروج بها عن الحد اللائق.. ولنذكر أن الرب عاقب عالى الكاهن، لأنه لم يحسن تربية أولاده (1صم3: 13).
وكما نغرس فيهم العقائد الإيمانية، نغرس فيهم أيضاً محبة النظام والخير، وطاعة الكبار وقبول تأديبهم.
إن الخطأ يكون غالباً في طريقة التأديب، إن كانت بأسلوب غير روحي، أو أسلوب غير إنساني.. أو إن امتزجت بالقسوة.
أو إن كانت هذه القسوة هي الأسلوب السائد، سواء كان الخطأ خفيفاً يكفيه مجرد النضح، أو خطيراً يقتضى العقوبة. إن الأبوين اللذين يسود الحنان معاملتهم لطفلهما، ستكون أكبر عقوبة له أن يحرم في وقت ما من هذا الحنان، ويشعر أنه فقد عطفهما وثقتهما. ويظهر هذا بالذات في سن الطفولة المتأخرة
تابع موضوع التعامل مع الاطفال
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق