الاثنين، 10 يونيو 2013

 
 
 
 
 





1- مقدمة: كيف نعامل الأطفال
 
كثيرون يكتبون للكبار. وقليلون هم الذين يكتبون للصغار أيضاً كثيرون ينشغلون بالحديث مع الكبار. ويندر من يحبون الحديث إلى الصغار.

لذلك يشعر الصغار أحياناً أنهم ليسوا موضع اهتمام الكبار، ولا موضع احترامهم، فيحاولون أن يجذبوا أنظارهم بطرق شتى، ربما بالضجيج أو العناد أو (الشقاوة)..

ونحن نريد في هذا الكتاب أن نتحدث عن الطفل، ونفسيته، وكيفية التعامل معه، واكتساب محبته، وخدمته روحياً واجتماعياً وثقافياً.

ذلك لأن الطفل هو النواة الأولى للمجتمع، والكنيسة. إن كسبناه كسبنا جيلاً بأثره. وإن خسرناه مستقبل هذا الجيل الذى نعيشه، وما يترتب على ذلك من خسارة أجيال أخرى.

أنا شخصياً أحب الأطفال، وأحب أن أداعبهم وألاعبهم وأحادثهم وأصادقهم. وأجد في الطفولة براءة وصدقاً وصراحة، كما أجد فيها أيضاً سرعة التجاوب التى لا نجدها في الكبار..

وليس هذا الكتاب نتيجة خبرات لدراسة كتب في علم النفس والتربية.. وإنما هو نتيجة خبرات شخصية عشتها مع الأطفال، سواء في مدارس الأحد، أو اللقاءات العديدة في الكنيسة، ومع العائلات وفى دور الحضانة، وفى الأندية، وفى غير ذلك.. أقدمه هدية للتربية الكنيسة، وأيضاً للتربية العائلية، ولكل المهتمين بالطفل.

2- انزل إلى مستوى الطفل

في مرحلة الطفولة المبكرة (تشمل السنوات الخمس الأولى من حياة الطفل من صغره إلى روضه الأطفال kinder gerten) انزل لمستواه.

لمرحلة الحضانة، والطفولة المبكرة خواص تناسبها.

يلزمنا معرفة هذه الخواص، حتى نعرف كيف نتعامل مع الطفل.. فنتعامل معه بما يناسبه، بمستوى عقليته ونفسيته.. فإن فشلنا في التعامل معه، فلابد أن نسبة كبيرة من هذا الفشل ترجع إلينا نحن.. إذ نكون قد أخطأنا فهمه، أو أخطانا الوسيلة إلى اجتذابه..

أولاً، وقبل كل شئ، ينبغى أن ننزل إلى مستوى الطفل، ولا نملكه من فوق..

لابد أن تعرف ما يحبه وما لا يحبه. وأن تفهم طباعه، وتتمشى معها، لا أن ترغمه على الخضوع لطباعك. واجعله يشعر أنك في صفه، وأنك صديق. ويكون هذا هو أساس التعامل. تذكر قول بولس الرسول " صرت لليهود كيهودى لأربح اليهود. صرت للضعفاء كضعيف لأربح الضعفاء " (1كو9: 20، 22).

هكذا ينبغى أن تصير للطفل لكى تربح الطفل..

3- كيف تبدأ مع الطفل ؟

إذا قابلت طفلاً لأول مرة، أو رأيته في زيارتك لأسرته، فلا تسرع بحمله على كتفك، أو بمداعبته. فربما يصدك، فيؤثر فيك هذا. الصد، فتأخذ منه موقفاً أو تتجاهله، وهكذا تفقد العلاقة معه.

إنما من طبيعة الطفل إن قابل غريباً، أن يفحصه أولاً ويتأمله أو يتفرس فيه، ثم يحدد علاقته به..

إنه يحب أن يطمئن أولاً إلى هذا الشخص الجديد لا خطر منه.. ونحن نعذره في ذلك، لأنه داخل على عالم جديد عليه وعلاقات جديدة، ومن حقه أن يطئمن أولاً..

ويبنى اطمئنانه على شكل هذا الشخص، وصوته وملامحه وحركاته، ولطفه..

فقد يخاف من شكل معين: إنسان له لحيه مثلاً، إن كان لم ير من قبل شخصاً.. أو يخاف من شخص جاحظ العينين، أو أعرج.. ويخاف من الشخص الغضوب، العالى الصوت، أو الذى له ملامح مقطبة (مكشرة)، أو الذي ينتهر أمامه طفلاً آخر.. فيتحاشى مثل هذا الشخص، ولا يقبل مداعبته مهما حاول ذلك. وقد يهرب منه.

ولكنه يأنس إليك إن رآك مبتسماً ضحوكاً، منفرج الأسارير، طيب القلب..

لذلك إن زرت أسرة، وجلست بين أعضائها، ومنهم طفل أو بعض الأطفال، فاحترس من الأشياء التى تخيفهم منك. واحترم شعورهم وحاول أن تكون لطيفاً أمامهم وإن كان لابد أن تقول كلمة حازمة في إحدى المناسبات، قلها باللفظ وليس بالملامح..


فالطفل قد لا يفهم معانى الألفاظ، ولكنه بالتأكيد يفهم دلاله الملامح..

إذن ابدأ مع الطفل بملامحك المنبسطة التى تريحه، وبهدوئك وبالبعد عن العصبية.

احترس جداً من ملامحك، بحيث لا تكون مزعجة بالنسبة إلى الطفل.

إن الأم التى توبخ طفلها الصغير بقسوة، وقد تهدده في عنف، ربما يصرخ الطفل في خوف ويستغيث.. ليس بسبب كلام أمه وتهديدها، فربما لا يفهم هذا الكلام، أو يكون منشغلاً عنه بما هو أخطر.. فما هو الشئ الأخطر؟ هو ملامح الأم أثناء غضبها وتهديدها له. قد تخفيه نظراتها وملامحها، فيصرخ.. ويرى صورة مزعجة لا يحتملها. وما أسهل أن تترك هذه الصورة عقدة في نفسه، أو تكون سبباً في أحلام مزعجة يراها، أو رعبه من هذه الأم.

4- أهمية حواس الطفل

وماذا أيضاً عن صفات طفل الحضانة؟

إنه في هذه المرحلة يستخدم الحواس أكثر من العقل.

أي أنه يلتقط بعينيه وأذنيه وحاسة الشم أيضاً، والمذاقة، أكثر مما يلتقطه بعقله.. من الخطأ في هذه السن، أن تسهب في الشرح، أو تدخل في التفاصيل.. لأنه سينشغل عنك بشئ آخر، وتكون أنت في واد وهو في واد آخر. إنما تكلم معه ببساطة وباختصار. وإن سألك، يمكن أن تجيبه بكلمات بسيطة مفهومة مختصرة.

فى هذه السن، تنفع وسائل الإيضاح، أو الوسائل السمعية والبصرية.

الطفل في هذه السن يحب أكثر من المعلومات. أو تصل إليه المعلومات عن طريق الصور.

أتذكر أنني في سنة 1963 كنت قد دعيت لإلقاء كلمة في اجتماع خادمات كنيسة الأنبا رويس بالقاهرة. وفجأة دخل طفل. وأردت أن أتبسط معه في الحديث، فسألته عن الدرس الذى أخذه في مدارس الأحد.. ففكر بعض الشئ وتردد، ثم قال (درس الحمامة). وتعجب من أجابته، لأننى كنت قد وضعت منهج المرحلة الابتدائية، ولم يكن فيه مطلقاً درس عن الحمامة. وهنا تدخلت إحدى الخادمات، وسألت الطفل أن يريها الصورة التى أخذها الطفل في مدارس الأحد. وكانت صورة العائلة المقدسة وهى تعمل وفى ركن الصورة، كانت حمامة.. والذى حدث أن الطفل لم يهتم بالدرس كله، وانشغل بالحمامة التى نالت أعماق تفكيره، فقال إنه درس الحمامة..!!

5- الحيوانات والطيور بالنسبة للطفل

الطفل في هذه السن يحب الحيوانات والطيور. ويراها أمامه مخلوقات تنطق وتتكلم. وقد يحتضن قطة حية، أو لعبة من قطن تمثل قطة أو كلباً. ويخاطب هذه اللعبة كأنها كائن حي.

فى هذه السن يمكن تدريس قصة حمار بلعام.

ويتقبلها الطفل أكثر مما يتقبلها طالب بالتعليم الثانوى.. إن كل شئ أمامه حي، ليس فقط التماثيل واللعب، بل الصور أيضاً.. هذه الصور والتماثيل واللعب - في نظره – يمكن أن تتحرك وتتكلم وتعيش، وتكون لها شخصيات تعمل معه، وتستمع إليه..!! أتذكر أننى في الستينات وأنا أسقف، ما كنت أحضر مراسيم الزواج في الكنيسة (ولا أزال كذلك). ولكننى كنت أذهب إلى الكنيسة، وانتظر في حجرة الاستقبال. ثم أهنئ العروسين بعد إتمام الزواج.. وفيما أنا وسط بعض الضيوف انتظر، تقدم إلى طفل (كان إبناً لآحد الآباء الكهنة) وقال لى في براءة الأطفال: " فاكر لما كنا بنلعب بالديك؟"… فابتسمت وقلت له في محبة إننى فاكر.. وتعجب الحاضرون من هذا الذى يلعب معه الأسقف بالديك! وترى أين كان ذلك؟ وشرحت لهم الأمر: كنت في زيارة لأبيه الكاهن. وكان في حجرة الأستقبال بساط عليه صور ديوك وطيور. وأشرت أنا إلى أحد الديوك المنسوجة في البساط، وقلت له "أنا سآخذ هذا الديك"، فقال لى "آخذه أنا".. وظللنا نلعب معاً هذه اللعبة التى تذكرها الطفل بعد حوالى سنة..

فى هذه السن تصلح قصص الحيوانات.

إنها تشبع الطفل وتناسب سنه. وكلما كانت هادفة، تكون فائدتها أكثر. وتجمع بين الخيال وإرساء المبادئ الروحية. والطفل في هذه السن يحب قصص ميكى ماوس Mickey Mouse. وتشبع خياله جداً، وتسليه وتضحكه. وتشغله عن الصياح والضوضاء، وتحفظه هادئاَ يتأمل. إنها بالنسبة إليه متعة.

عرض قصص ميكى ماوس وأشباها بالفيديو أفيد بكثير من التليفزيون.

أولاً لأننا لا نضمن سلامة نوعية ما يعرض في التليفزيون، بينما تكون لنا في الفيديو حرية اختيار ما نعرضه. وثانياً نستطيع في الفيديو أن نتحكم في الوقت.

6- اللعب عند الأطفال

الطفل يحب اللعب، ويجد فيه تسليته ومتعته.

ويحب من يعطيه لعباً، ومن يلعب معه من الكبار..

والمفروض أن نوفر للطفل مجال اللعب، وأنواع اللعب التى تسليه. نقدم له ما يحبه هو، لا ما نحبه نحن وهناك أنواع من اللعب، لا تقتصر فقط على عامل التسلية، وإنما أيضاً تشتمل على تدريبات على الذكاء والخبرة، يمكن أن نوفرها للطفل كلما نضج في تفكيره.

مثل أنواع اللعب التى تشمل الهدم والبناء.

قطع من الكاوتشوك أو الأستيك، مختلفة الألوان والأشكال. مع رسم فيلاً أو بيت، بتفاصيل معينة. يستطيع بتشابكها مع بعضها البعض، أن يبنى بها بيتاً.. ثم يهدمه لكى يبنى بيتاً آخر له شكل آخر.. وهكذا دواليك. وأحياناً يحب الطفل أن يلعب مع قطته أو كلبه..أو يلعب مع أطفال من الأقارب أو الجيران أو الضيوف. وعلينا أن نقدم له ألواناً من اللعب اللائق، بدلاً من أن نحرمه من اللعب كلية.. وهو يحب روضة الأطفال من أجل الألعاب التى فيها. ويحب أيضاً المكان الواسع الذى يجرى فيه ويلعب.

ويحب في لعبه أن يختبر أموراً كثيرة.

يختبر كيف يصعد على شجرة، أو كيف يقفز من مكان إلى آخر، أو كيف يجرب ركوب الحصان الخشب أو العربة..

ولأننا لا نعرف له الألعاب اللازمة، يمكن أن يحدث ضوضاء أو خسائر فيما يعبث به في البيت.

بعض الأسرات، عندها حجرة خاصة بألعاب الأطفال. والبعض إذ لا تكون له قدرة على ذلك، يلحقهما بنادى الكنيسة أو بيوت الحضانة، أو بعض النوادي العامة ذات السمعة الطيبة، والبيئة السامية في خلقها..

كثيراً ما يخطئ الأطفال، بسبب نقص اهتمام الكبر بهم.

حينما لا نكفل لهم ما يستخدمون فيه طاقاتهم، وما يسليهم وما يفرحهم، وما يشغلون به وقتهم.. لأننى أضع أمام الجميع الكبار من الآباء والأمهات والمشرفين على التربية الكنيسة.. أضع أمامهم هذا السؤال الهام:

كيف يمكن أن يشغل الأطفال وقتهم؟

وماذا قدمنا لهم في هذا المجال؟

الطفل الصغير في لعبه، يمكن أن يعبث بأي شئ.

يمكنه أن يمسك أي شئ ويضعه في فمه، وقد يكون ضاراً جداً. ولذلك كثير من الأدوية يكتب عليها أنه يجب وضعها بعيداً عن متناول الأطفال.. كذلك يمكن أن يلقى بشئ فيكسرة، أو يمسك ورقة فيمزقها أو يلعب بشئ هام تحرص عليه، أو يكسب أي سائل في زجاجة.. وأمام هذه التلفيات قد يتضايق الأبوان، ويضربان الطفل أو يعاقبانه بشدة..

بينما العيب في إهمالها لكل هذه الأشياء وليس العيب في الطفل الذى لا يفهم.

نصيحتى أن ما تحرص عليه، إبعده عن أطفالك. ولا تهمل تركه أمامهم ثم تعاقبهم على أتلافه. ضع في ذهنك أنك تتعامل مع طفل. وأن الطفل يتصرف هكذا، لأنه لم ينضج بعد. لا تظن أن لعبه ضد الطاعة، وضد الهدوء فإن أردت أن تطاع، سل ما يستطاع. لا تأمره بما لا يتفق مع طبيعته، ثم تأمره بالطاعة. ولا تجعل طاعته لك، قيداً على حريته. وإن أساء استخدام الحرية، ولا تعالج ذلك بالقسوة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق